لون من ألوان الصياغة يعين ذا الموهبة الصادقة على الإيحاء بكثير من اللطائف والأسرار، ويلفت النفس المتلقية الواعية إلى كثير من المزايا، وكلما أمعنت النظر في مواطنه من الكلام الرفيع بانت لك وجوه من الحسن تزيدك إحساسًا بقدرته.
وقد كلفت بهذا السلوب، وتابعت أقوال العلماء فيه، وهي كثيرة كثرة تدل على أهميته وعنايتهم به، ثم إن هذه الكثرة من الدراسة، والأقوال المختلفة حوله ربما كانت لونا من الصعوبة عند التصدي لدراسته، إلا أنني سوف أحاول استخلاص زبدة أقوالهم في بيان ضروبه، ومزاياه معرضا عما توارد عليه من آراء في نشأته، ونضوجه؛ لأنني هنا كما أشرت لست معنيا بالنشأة والتطور؛ لأن لهذا درسا ينبغي أن يكون جادا وحافلا، ونرجو أن نفرغ له يوما، وغياب تاريخ هذا العلم بصورة جادة يعد نقصا ظاهرًا في المكتبة البلاغية، وليس بين أيدي الناس منه كتاب يعتبر إلا كتاب الدكتور شوقي ضيف، وهو رجل معان؛ لأنه مع سعة ميدانه يصل به جده الدءوب إلى فوائد كثيرة أعان الله بها طلاب العلم، ونسأل الله له العافية، وأن يجعل جهاده في موازينه.
وابن الأثير يبين لنا علاقة التسمية بالموضع، فيقول بعد إشارة إلى أنه خلاصة علم البيان: "وحقيقته مأخوذة من التفات الإنسان عن يمينه وشماله، فهو يقبل بوجهه تارة كذا وتارة كذا، وكذلك يكون هذا النوع من الكلام خاصة؛ لأنه ينتقل فيه من صيغة إلى صيغة، كانتقاله من خطاب حاضر إلى غائب، ويسمى أيضا شجاعة العربية، وإنما سمي بذلك؛ لأن الشجاعة هي الإقدام، وذلك أن الرجل الشجاع يركب ما لا يستطيعه غيره، ويتورد ما لا يتورده سواه،