للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

النفس لا يستطيعها الضمير العائد عليها، فأشاروا إلى أن الكناية -يعنون بها الضمير- التعويض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والتكشيف، فإذا كان الضمير يعطي إشارة ذهنية إلى العائد عليه هذه الإشارة تحضره في النفس إلا أن قدرا كبيرا منن التأثير يظل الاسم الظاهر محتفظا بها، ولا يستطيع الضمير حملها نيابة عنه؛ لأنها تتولد حين يقرع اللفظ السمع بجرسه، وارتباطاته المختلفة جدا الاختلاف، والتي اكتسبها في قصته الطويلة مع الكلمات، والأحداث والمواقف، خذ لذلك قوله تعالى: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} ١، فإنه من الواضح أنه لو قيل: وبه نزل لكان الضمير عائدا على الحق، ومؤديا معناه من حيث الدلالة النحوية أو الدلالة المنطقية، ولكن يبقى لكلمة الحق من القدرة على إثارة قدر كبير من الخواطر لا ينهض الضمير بشيء منها.

وليس ذلك خاصا بكلمة الحق ودلالتها الإنسانية الخصبة، وإنما يجري في كثير من الكلمات التي لها في سياق الحديث مكان خاص، انظر إلى قول النابغة:

نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما

نجده لم يقل: نفس عصام سودته، وإن كان الضمير عائدا على عصام من غير لبس؛ لأنه لأراد أن تقع السيادة من نفس عصام على عصام هكذا بلفظه.

قال عبد القاهر:

"لا يخفى على من له ذوق حسن هذا الإظهار، وأن له موقعا في النفس، وباعثًا للأريحية لا يكون إذا قيل: نفس عصام سودته شيء منه البتة".

والموقع في النفس وبعث الأريحية هو من الكلمة من حيث هي صوت لكل جرس فيها خاطر سكن النفس مع هذا الجرس وانبعث به، وإلا فأي فرق بين زيد، والضمير العائد على زيد؟


١ الإسراء: ١٠٥.

<<  <   >  >>