لحظ بعض الدارسين من المتقدمين أن الفصاحة والبلاغة، وإن اختلفت دلالتهما اللغوية، فإنهما يلتقيان في الإبانة عن المعنى وإظهاره، فجعلوهما في الإصلاح شيئا واحدا، وقد جرى على ذلك كثير، منهم عبد القاهر.
ولحظ آخرون أن اختلاف المدلول اللغوي يتبعه اختلاف في المدلول الاصطلاحي، ولما كانت البلاغة من البلوغ كان الأولى أن تكون وصفا للمعنى، وأن يراد بها إنهاء المعنى إلى القلب، ولما كانت الفصاحة من الظهور كان الأولى أن تكون وصفا للفظ، فجعلوا المراد بها تمام آلة البيان.
وقد اختار المتأخرون هذا الرأي، والمسألة عندنا لا تحتاج إلى احتفال، ومناقشة كما فعل باحثها في دائرة المعارف؛ لأنه لا مشاحة في الاصطلاح، وخاصة إذا كان لا يترتب عليه أمر ذو بال.
قالوا: الفصاحة تقع وصفا للكلمة، وللكلام وللمتكلم.
أما فصاحة الكلمة، فهي أن تكون لينة سهلة النطق تتجاور أصواتها تجاورا لينا هادئا ملسا، وأن تكون مألوفة جرت على الألنسة، ورنت أصداؤها في محافل الشعر والأدب، وأن تكون واردة على قواعد تصريف الكلمات، وهذا معنى قولهم:"أما فصاحة المفرد فهي خلوصه من تنافر الحروف والغرابة، ومخالفة القياس الصرفي".
فإذا تنافرت حروف لكلمة كان ذلك معيبا، ومخلًّا بفصاحتها، وذلك مثل كلمة الهعخع، وقد ذكروا أنه اسم شجر، ولم أجده في لسان العرب، ولا في