وليست رسالتهم أن يغرسوا أفكار أخرى من علوم أخرى في هذا العلم أو ذاك، لأن ثمة مشابهة بين ما كتبه الآخرون، وما كتبه علماؤنا، وكأن رسالتنا نحن الأساتذة ليست هي صناعة المعرفة من داخل علومنا كما صنع علماؤنا الذين سبقونا؛ وإنما صارت رسالتنا هي قراءة مختصرات من كلام الآخرين، ومختصرات من كلام علمائنا، والبحث عن الأشباه، والنظائر ثم نرى هذه الأشباه النظائر مسوغا يسوغ لنا غرس ورزرع كلام الآخرين في علومنا، وبذلك تفتقد العلوم طابعها، وجوهرها، بهذا الغرس الغريب، ويصبح الذي في أيدينا علما آخر، لا هو عربي ولا هو أعجمي، وإنما خليط من هنا، ومن هناك، ليس، هذا عمل العلماء، وإنما عملهم أن تحيا علومهم في عقولهم، وأن يداخلوا أدق مسالك هذه العلوم، وأن يدركوا منها مواطن الثراء التي لا تزال مضمرة في مطاويها، وأن يثيروها، ويمدوها بخبرتم، وطلو تأملهم، وطل مراجعاتهم، ولا شك أن العلم تزكو به عقول العلماء، ولا شك أنه هو أيضا يزكو بعقول العلماء، ولا يكون هذا إلا بالانقطاع، والصدق، والتجرد، الرضا والغبطة بخدمة العلم، وفرق بين من يجد لذة وغبطة بخدمة العلم، ويجعله مطية يصل بها إلى ما يريد، الصنف الأول يزدري هذا التهجين، وهذا العجز، ويرى في قرارة نفسه أنه قادر على أن يقول بلسانه، وبفكرة، وخبرته، ويأنف ويزدري مسالك التهجين، والخلط، وإن سماه الناس أصالة، ومعاصرة، ويرى ذلك عجزا وذلا وخسة، وكان -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من العجز والذل.
وعلم البلاغة الذي لم يكثر التهجين في علم كما كثير فليه؛ له خصوصية تجعله عند من له بصيرة ف يالعلم أبعد علومنا عن أن يغرس فيه كلام من خارج سياق العربية وعلومها وآدابها، هذه الخصوصية هي أنه من