للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجنايات، وكان النهس بن ربيعة يكفل عنه، وأخذ المعذل يوما، فأدركه النهس وحمله على فرسه، وأمره أن ينجو بنفسه، وأسلم نفسه مكانه، فلما نجا قال له المعذل: أخيرك بين أمرين: أمدحك أو أمدح قومك، فاختار مدح قومه، فقال في مدحهم:

هم خلطوني بالنفوس وأكرموا الصـ ... حابة لما حم ما كنت لاقيا

هم يفرشون اللبد كل طمرة ... وأجرد سباح يبذ المغاليا

قال: هم خلطوني بالنفوس أي أنهم أقاموه بينهم، وأسقطوا الحشمة كما يقول المرزوقي بينه وبينهم، وتلك منزلة في رحابة النفس عالية، وقوله: الصحابة المردج به الصبحة، وقوله: هم يفرشون اللبد، فيه توكيد لمعنى أنهم يفرشون اللبد؛ لأنه في سياق المديح، ومعاني المديح تحتاج إلى تقرير، وتقوية لتأنس بها النفس، ولتكون في الصياغة المطبوعة دليل صدق الشاعر في إحساسه؛ قال عبد القاهر: لم يرد أن يدعي لهم هذه الصفة دعوى من يفردهم بها، وينص عليهم فيها كأنه يعرض بقوم آخرين، فينفي أن يكونوا أصحابها، هذا محال، وإنما أراد أن يصفهم بأنهم فرسان يمتهدون صهوات الخيل، وأنهم يقعدون الجياد منها، وأن ذلك دأبهم من غير أن يعرض لنفيه عن غيرهم، إلا أنه بدأ يذكرهم لينبه السامع لهم، ويعلم بديا قصده إليهم بما في نفسه من الصفة، فيمنعه بذلك من الشك، ومن توهم أن يكون قد وصفهم بصفة ليست هي لهم.

وقوله: يبذ المغاليا، جاء بضم الميم وفتحها، وأما الضم فإنه -كما يقول المرزوقي- صالح لأن يراد به السهم نفسه أو فرس يغاليه، وأما الفتح فهو جمع مغلاة، وهي السهم يتخذ للمغالاة، والمعنى يسبق السهم في غلوته، ومراد الشاعر أن سعيهم مقصور على تفقد الخيل، وخدمتها، وافتراش ظهورها.

وانظر قوله تعالى في شأن فريق من اليهود غيروا التوراة كما يقول ابن عباس، وكتبوا كتابا بدلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ

<<  <   >  >>