للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأصل أن ينكروا ذلك، فوجب توكيد أنهم يخلقون "بضم الياء"، فجاء على ما ترى.

قال الخطيب: وما لا يستقيم المعنى فيه إلا على ما جاء من بناء الفعل على الاسم قوله تعالى: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ١، وقوله تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ٢، وقوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} ٣، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبني على الاسم لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى، والمعنى قد زال عن الحال التي ينبغي أن يكون عليها.

وهذا النص نقله الخطيب من دلائل الإعجاز من غير تصرف يذكر، وهو كلام جيد يعتمد في بيان قيمة هذا التركيب على موازنته بغيره مما يؤدي معناه في الجملة، وليس على طريقته، والقضاء في ذلك للحس والذوق كما ترى.

وإذا حاولنا أن نتعرف السبب في نبو اللفظ عن المعنى عند مخالفة الصياغة الواردة في الآيات لزمنا أن نتأمل سياق كل آية منها، ولنبدأ بالأولى:

قال المفسرون: إن الوثنيين قد خوفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم، فأمر صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} ٤.

السياق كما ترى استهانة بآلهتهم، وتسفيه عابديها، ثم إظهار عدم المبالاة


١ الأعراف: ١٩٦.
٢ الفرقان: ٥.
٣ النمل: ١٧.
٤ الأعراف: ١٩٤-١٩٦.

<<  <   >  >>