للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالعابدين والمعبودين، وأنه -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم لكيده في أسلوب متهكم لاذع يثير الحمية، وقد أشار إلى القوة التي تدفع عنده، وتجعله يعارضهم هذه المعارضة قال: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ} ، فساق الكلام مؤكدا بما ترى ليشعرهم بوثوقه فيه، وأنه يقوله مع موفور الثقة، ومتين الاعتقاد، وأنه نفسه ممتلئة بهذا اليقين، ولهذا جاء قوله: {وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} بهذا التوكيد، ليلائم هذا السياق الذي يقرر لهم فيه الرسول حال يقينه في وثاقته بربه، وهو يعارضهم تلك المعارضة التي لا تبالي بهم ولا بمقدساتهم، ثم رتاه يذكر بعد ذلك قوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ} ١، فأشار إلى ما يقابل ثقته في ناصره سبحانه من عجز آلهتهم عن نصرهم، إذن لو قال: ويتولى الصالحين هكذا كلاما خاليا من التوكيد لنبأ عنه معناه.

وشيء آخر في تفسير الضرورة البلاغية لهذا التقديم هو أن قوله: وهو يتولى الصالحين، دال على أنه الله يتولاه -صلى الله عليه وسلم- بطريق الكناية؛ لأنه يلزم من توليته سبحانه الصالحين أن يكون وليه -صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سيد الصالحين، وطريق الكناية أوكد في إثبات المعنى من طريق التصريح، فاقتضى حسن السياق أن يجيء بناء العبارة على ما هو عليه حتى تتسق عناصر الدلالة.

والآية الثانية ترى سياقها هكذا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ٢.

وحاجة التعبير هنا إلى التوكيد واضحة؛ لأنهم يدعون في القرآن ما ينكره عليهم الرسول والمؤمنون، ثم هم راغبون في رواج مقالتهم فيه، فلا بد من توكيدها ليتقبلها من لا يعرف القرآن، ونبيه صلى الله عليه وسلم من القبائل الأخرى،


١ الأعراف: ١٩٧.
٢ الفرقان: ٤، ٥.

<<  <   >  >>