للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحب الحق على الانتصاف منه لتعصبه.

فإذا (ظفر) صاحب الحق بأحد من قومه في بلد تناله فيه الأحكام، فله أن يؤاخذه بذنبه، أو بما غصب منه، ويقضي له بذلك في غير الدماء والحدود، حيث كان هذا المؤاخذ ينكفّ الظالم عن ظلمه بمؤاخذته، أو يقدر على الانتصاف منه- كما مرّ- ولو لم يكن قريباً، ولا كان يحمي ذلك الملدّ ١ الظالم، ولا ممّن يتعصّب عليه، ولا ممّن يأوي إليه- لأنّه: (إذا التقى ضرران ومحظوران ارتكب [١٠/أ] أخفّهما) ٢ - لأنّ الأمر دائر بين أن ييقى هذا المذنب على مفسدته وغصبه وظلمه، ولن أن يؤاخذ به قريبه، أو من يقدر على الانتصاف منه من قومه.

ولا شكّ أن مؤاخذة الغير القريب والقادر على الانتصاف من المذنب أخف، هذا معنى قول "ناظم العمل": (إلاّ إذا سدّت به الذريعة ... إلخ) ٣ وإنْ كان "شارحه" ٤ أدار الاحتمال بين أن يحمل على مؤاخذة القريب، أو على مؤاخذة من يقدر على الانتصاف منه، والصواب: التعميم، لأن سدّ الذريعة موجود فيهما، ومع ذلك لم يقيّده شارحه المذكور: بكون المؤاخذ لا يحمي المذنب ولو بجاهه- على ما مرّ بيانه- مع أنه لا بدّ من ذلك التقييد، وإلاّ فهو القسم الثالث، لأن مؤاخذته حينئذ ليست من سدّ الذريعة في شيء، بل


١ - من اللّدد، وهو شدّة الخصومة، قال في القاموس لده: خصمه فهو لادّ ولدود. (ميّارة في شرحه للعاصمية: ٢٦)، فصل "في رفع المدعي عليه وما يلحقه بذلك". (البستاني- فاكهة البستان: ١٢٩٠).
٢ - أنظر السجلماسي الرباطي في شرحه "لنظم العمل الفاسي": ٢/ ٤١٧. وقال السيوطي: "إذا تعارض مفسدتان روعي أعظهما ضرراً بارتكتاب أخففهما" كما لو أحاط الكفار بالمسلمين، ولا مقاومة بهم، جاز دفع المال إليهم، وكذا استنقاذ الأسرى منهم بالحال إذا لم يمكن بغيره، لأن مفسدة بقائهم في أيديهم واصطلاحهم للمسلمين أعظم من بذل المال. (الأشباه والنظائر: ٨٧)، حيث جعلها قاعدة رابعة من القواعد المتعلّقة بالقاعدة الرابعة (الضرر يزال).
٣ - تقدّم قوله في: ١٣٧.
٤ - هو: السجلماسي الرباطي، أنظر: ٢٥٩.

<<  <   >  >>