للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تاشفين أمر قواده وأبطاله: أن يحملوا عليه، ولا يقصدون غيره، ففعلوا، حتى خلصوا إليه، وأصابوه، إلاّ أنه هرب بعد الإصابة في نفر قليل، وبدّدوا جمعه، وغنموا جيشه) ١.

فانظروا- أيّدكم الله-: كيف قرن الله النصر بالصبر في هذه الوقائع، وكيف انغمس العدد القليل في الكثير، فوقع النصر- حيث كانوا على قلب واحد- فلا يستنفر ويقدّم للقتال من لا معرفة له به، ولذا وجب على الإمام تدريبهم وتعليمهم- كما مرّ!.

(ولما برز بعض ملوك ٢ الأندلس، لقتال الروم، ورأي الهزيمة دنت إليه، فزع إلى "رجل" ٣ من المسلمين لم يكن في الثغور أعرف منه بالحروب، فقال له: "كيف اليوم يا رجل؟ " فقال له: "يوم أسود، ولكن بقيت لي حيلة" فذهب بعد أن زيّا نفسه بزيّ الروم- وكان يعرف كلامهم بمجاورتهم- فانغمس في عسكر الكفّار، فقصد إلى الطاغية ٤، وجعل


= الوقت، وكانت ملوك الطوائف من المسلمين هنالك يصالحونه، ويؤدّون إليه ضريبة، وقد استولى على "طليطلة" بعد حصار شديد، وكانت "للقادر بالله بن ذي النون"، ودارت بينه ويين الأمير "يوسف بن تاشفين" معارك انتصر فيها المسلمون، وهرب الأذفونش. (ابن خلكان- وفيات: ٥/ ٢٧ - ٢٩).
١ - أنظر ابن خلكان في "وفيات الأعيان": ٧/ ١١٦ - ١١٧، وكان ذلك في موقعة "الزلاقة" قرب بطليوس (سنة ٤٧٩هـ)، حيث قال: (قال "البياسي": ان يوسف بن تاشفين قدم بين يدي حربه كتاباً على مقتضى السنة يعرض عليه: الدخول في الإسلام أو الحرب أو الجزية، ومن فصول كتابه: وبلغنا يا "أذفونش" أنك دعوت في الاجتماع بك، وتمنيت أن يكون لك فلك تعبر البحر عليها إلينا، فقد أجزناه إليك، وجمع الله في هذه العرصة بيننا وبينك، وسترى عاقبة دعائك، فلما سمع "الأذفونش" ما كتب إليه، جاش بحر غيظه وزاد في طغيانه وأقسم: أنه لا يبرح من موضعه حتى يلقاهه).
٢ - هو: المقتدر بالله ابن هود ملك الأندلس، وقد برز من سرقسطة، (الطرطوشي- سراج الملوك: ١٧٩ - ١٨٠ "في ذكر الحروب وتدبيرها").
٣ - يسمّى "سعدادة".
٤ - هو رد ميل عظيم الروم. (الطرطوشي- سراج الملوك: ١٨٠).

<<  <   >  >>