وهل تزيد حالُ من أنفق جميعَ ماله، ورأى المكروهَ في عيالِه، وظهر فقرُه، وشَمَِت به عدوُّه، على أكثر من انصراف المؤنسين عنه، وعلى بُغض عيالِه، وعلى خُشونة الملبس، وجُشوبة المأكل؟ وهذا كلُّه، مجتمع في مَسك البخيل، ومصبوبٌ على هامةِ الشّحيح، ومعجَّلٌ للئيم وملازمٌ للممنوع؛ ألا إن المنفقَ قد ربح المحمدة، وتمتّع بالنعمة، ولم يعطّل المقدرة ووفّى كلَّ خصلة من هذه حقّها، ووفَّر عليها نصيبَها، والممسكُ معذَّب، بحصر نفسه، وبالكدِّ لغيره؛ مع لزوم الحجة، وسقوط الهمّة والتعرُّض للذمِّ والإهانة، ومع تحكيم المِرّة السوداء في نفسه وتسليطها على عرضِه، وتمكينها من عيشِه، وسرورِ قلبه.
إن الله جوادٌ لا يبخل، وصدوقٌ لا يكذب، ووفيٌ لا يغدر، وحكيمٌ لا يعجل، وعدلٌ لا يظلم. وقد أمرنا بالجود، ونهانا عن البخل، وأمرنا بالصدق، ونهانا عن الكذب، وأمرنا بالحلم، ونهانا عن العجلة، وأمرنا بالعدل، ونهانا عن الظلم، وأمرنا بالوفاء، ونهانا عن الغدر.