للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جَعْلُ المقادير من المبهم أحد مذاهب النحاة، وهذا ظاهر صنيع الناظم هنا، أنه مبهم، والثاني أنها من المختص؛ لأن فيها نوع علم نوع تحديد؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة وكذا البواقي، وقيل: غلوة، كيلو، متر، ونحو ذلك هذه معلومة لها أول ولها آخر، حينئذٍ هي معلومة المقدار، لكنها مجهولة الصفة، معلومة المقدار، الميل كم يسوى؟ الكيلو كم مقداره؟ نقول: هذه معلومة المقدار، لكن كيلو من أي شيء؟ من الأرض، من السمن، من العسل، من أي شيء، نقول: هذا مجهول الصفة، أما مقداره؛ الكيلو معلوم، وأما الصفة فهي مجهولة. إذاً تنازعه أمران، فقيل: أنه من المختص باعتبار أن له أول وآخر، له حدود، فحينئذٍ نقول: هذا شيء معلوم، لو قال: عندي كيلو، نقول: هذا معلوم المقدار، لكن كيلو من أي شيء، ما صفته؟ حصل نوع جهل.

إذاً المذهب الثاني: الناظم اختار أنه من المبهم مطلقاً، لم يعتبر معلومية المقدار، وإنما نظر إلى الصفة، والمذهب الثاني أنها من المختص؛ لأن الميل مثلاً مقدار معلوم من المسافة، وكذا البواقي.

والمذهب الثالث وصححه أبو حيان: أنها شبيهة بالمبهم من حيث إنها ليست شيئاً معيناً في الواقع، فإن الميل مثلاً يختلف ابتداؤه وانتهاؤه وجهته بالاعتبار، فهي مبهمة حكماً، يعني لو قيل: ميل، من أي شيء؟ له أول وآخر من حيث هو، لكن من أين ابتدأت الميل، من أي أرض، من أي بقعة، أين انتهاؤه؟ أين جهته؟ هذه مجهولة، حينئذٍ هو في نفسه مختص معلوم، ومن حيث الصفة هو مجهول، فأعطاه حكم المبهم، فقال: المبهم نوعان: مبهم حقيقة، ومبهم حكماً، المبهم حقيقة هو الجهات، والمبهم حكماً هو المقادير، هذا وسط، ويحتمل أن المصنف جرى على هذا وأراد بالمبهم ما يشمل المبهم حكماً.

نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ: نحو غلوة وميل وفرسخ وبريد، نقول: جلست فوق الدار وسرت غلوة، فتنصبهم على الظرفية.

وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ: هذا الثالث، وكما ذكرنا إما أنه داخل تحت المبهم، فيكون معطوفاً على قوله: الجِهَاتِِ، وإما أن يكون مبايناً –قسيماً- له، فحينئذٍ يكون معطوفاً على مُبْهَمًا، يحتمل هذا ويحتمل ذاك، معطوف على الجهات فيكون من المبهم، وقيل: من المختص، وعليه فيكون وَمَا صِيغَ معطوفاً على مُبْهَماً، والتقدير: إلا في حال كونه مبهماً أو مصوغاً من الفعل، جعلنا المستثنى شيئين، إذا جعلناه معطوفاً على مُبْهَمًا، وَمَا يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إلا مُبْهَمَا، وَمَا صِيغَ مِنَ الْفِعْلِ، قسمان، وإذا جعلناه معطوفاً على الجِهَاتِِ، نَحْوُ الجِهَاتِِ وَالمَقَادِيرِ وَمَا، يكون معطوفاً على الجِهَاتِِ، فهو في محل جر، ما موصولة في محل جر، فحينئذٍ استثنى فقط المبهم، فنحكم على ما صيغ من الفعل، أنه مبهم مطلقاً بلا تفصيل، والأظهر أنه معطوف على (مُبْهَمًا).

وأما ما صيغ من المصدر نحو مجلس، مجلس زيدٍ ومقعده، فهذا مما توافق فيه المصدر والعامل، يعني: ما كان على وزن مَفعَل أم مَفعِل، كما سيأتي.