إذاً في هذه الأحوال الثلاثة نقول: تأتي الحال غير منتقلة بل وصف لازم ثابت لموصوفه، أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها، في الحالة المؤكدة بأنواعها الثلاث: مؤكدة لعاملها .. لصاحبها .. لمضمون جملة قبلها، الثالث: ما كان مسموعاً من مفردات وردت عن العرب، وما جاء في القرآن كذلك يكون من قبيل المسموع، ولذلك مثَّل بـ:((قَائِمَاً بِالْقِسْطِ)).
وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً مُشْتَقَّا: يعني من المصدر ليدل على مُنْتَصِبُ، وهذا فيه تأكيد للمعنى الذي أخذه جنساً في التعريف؛ لأنه قال: الْحَالُ وَصْفٌ، وهذا معنى الاشتقاق، فكونه مشتقاً هنا تأكيد لذلك المعنى، أو إن شئت قل: تبيين بالمراد بالوصف؛ لأن الوصف قلنا: يُطلق ويُراد به الوصف المجرد بالدلالة على الذات كرجعت القهقرى، وكذلك يشمل ما دل على ذاتٍ معنى.
قوله: مُشْتَقَّا يؤكد المعنى السابق، وقد حمل بعض الشراح قوله: الْحَالُ وَصْفٌ بالمعنى الأعم، وهذا ليس كذلك، بل الصواب أن يُعين قوله: الوصف -وكلام النحاة في جميع كتبهم على هذا المعنى- أن يُقيد الوصف بكونه مشتقاً من المصدر، وحينئذٍ يكون دالاً على ذات متصفة بوصف، وأما الوصف الذي لا يدل على ذات حينئذٍ لا يكون داخلاً في الحال؛ إن جاء صار خلاف الأصل، ولذلك قال: مُشْتَقَّا يَغْلِبُ، إذاً غير الغالب في المشتق أن يكون جامداً، ولذلك قال: وَيكْثُرُ الْجُمُودُ، ثم قال: وَمَصْدَرٌ مُنكَّرٌ حَالاً يَقَعْ بِكَثْرَةٍ فدل على أن المصدر ليس مراداً بقوله: وَصْفٌ، تنبه لهذا، بعض الشراح حمل الوصف على العموم.
وَكَوْنُهُ أي الحال، مُنْتَقِلاً يعني لا يلزم الموصوف؛ لأنه جيء به للدلالة على الهيئة، والهيئة الأصل فيها أنها تتبدل وتتغير، فليست وصفاً ثابتاً, مُشْتَقَّا أي من المصدر؛ لأنها وصف في المعنى، يَغْلِبُ وجوده في كلامهم؛ يعني في كلام العرب، الأكثر في استعمالهم لهذا المصطلح الذي هو الحال، أن يكون منتقلاً مشتقاً، ولكِنْ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا؛ لَيْسَ مُسْتَحَقَّا بمعنى أن هذا الوصف وهو الانتقال قد يخرجون عنه في بعض كلامهم، وكذلك الوصف بالاشتقاق قد يخرجون عنه في بعض كلامهم، فما خرج من كلامهم عن ذلك الأصل المطرد -وهو الأعم- يحمل عليه.
إذاً إذا تكلموا في لسان العرب أتوا بالحال منتقلة، وقد يتكلمون بالحال غير منتقلة؛ إذا جاءت غير منتقلة نردها إلى الانتقال، وكذلك إذا جاءت غير مشتقة نردها إلى الاشتقاق.