ضبط النحاة المسائل الثلاث التي يكون فيها الوصف بالحال المنتقلة أو غير المنتقلة .. الحال متى تكون وصفاً لازماً؟ قالوا في ثلاث مسائل لا تخرج عنها. الأولى: أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها؛ أن يكون العامل فيها، يعني في الحال، خلق الله الزرافة، قالوا: خلق هذا عامل مشعر بتجدد صاحبها، أي حدوثه بعد أن لم يكن، خَلْقُه لم يكن ثم كان، إذاً مشعر بتجدد صاحبها أي حدوثه بعد أن لم يكن، ومأخذ اللزوم أنها مقارنة للخلق، أي الإيجاد، فهي خِلقية جبلية لا تتغير، ولا يرد خلق الإنسان طفلاً ثم بعد ذلك يكبر، ثم بعد ذلك يشيب إلى أن يموت، نقول: هذا الخلق في كل طور هو وصف لازم، كونه طفلاً نقول: هذا خلق، هل هي صفة لازمة أو لا؟ صفة لازمة، طيب سيكبر بعد أشهر .. بعد سنة، سيمشي، نقول: في المرحلة الأولى الوصف لازمٌ له، ثم إذا انتقل إلى مرحلة ثانية .. الوصف لتلك المرحلة الثانية وصف لازم له، وليس الاعتبار بالإنسان؛ إذا قيل:((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) من أول خلقه إلى موته، وهو ضعيف، لكن الضعف يختلف، حينئذٍ نقول: الخلق هنا متغير، لكن تغيره باعتبار المراتب، وفي كل مرتبة هو وصف لازم لموصوفها، حينئذٍ لا إشكال.
إذاً المراد بكون العامل هنا مشعراً بتجدد صاحبها أنه حدث بعد أن لم يكن؛ في أول المراحل حصل الخلق ثُم ثَمَّ مرتبة، في وقت تلك المرتبة نقول: الوصف له لازم، إذا انتقل انتقل إلى وصف لازم آخر، حينئذٍ انتقل من وصف ثابت راسخ إلى وصف ثابت راسخ آخر، ومأخذ اللزوم أنها مقارنة للخلق أي: الإيجاد، فهي خِلقية جبلية لا تتغير، ولا يرد خلق الإنسان طفلاً؛ لأن انتقاله من طور إلى طور بمنزلة خلق له متجدد، فتكون الحالُ الأولى لازمةً للخلق الأول والثانية والثالثة .. الخ .. متى ما كانت المراتب تعددت، هذه المسألة الأولى: أن يكون العامل فيها مشعراً بتجدد صاحبها نحو قوله تعالى: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً)) والمثال السابق: خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ يَدَيْهَا أطْولَ مِنْ رِجْلَيْهَا.
المسألة الثانية التي تكون فيها الحال غير منتقلة بل وصف لازم: وذلك في الحال المؤكدة، وهذا سيأتي بحثه في محله، والمؤكدة إما أن تكون مؤكدة لعاملها: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً، وقوله سبحانه:((وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً)) نقول: هذا وصفٌ غير منتقل، وإما مؤكدة لصاحبها ((لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)) جَمِيعاً هذا حال مؤكدة مِن (مَنْ) وهو اسم موصول، وإما مؤكدة لمضمون جملةٍ قبلها نحو قولهم: زيدٌ أبوك عطوف، حال بأنواعه الثلاثة كما سيأتي في محله، المراد هنا أن الحال المؤكدة هذه غير منتقلة، والحد الذي يُذكر في أوائل الكلام على الحال إنما المراد به الحال المؤسسة المبينة، وأما الحال المؤكدة هذه لا تستقل بمعنى.
الثالثة: في أمثلة مسموعة لا ضابط لها، يعني أمثلة تُحفظ ولا يقاس عليها كقولهم: دعوت الله سميعاً، وقوله تعالى:((أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً)) وقوله: ((قَائِماً بِالْقِسْطِ)).