مُنْتَقِلاً: المراد بالانتقال التحول، ولذلك قيل: الحال مأخوذة من التحول وهو التنقل.
إذاً أصل اسم الحال لا بد أن يكون موجوداً في الحال الاصطلاحية، فالحال حول، مأخوذ من التحول وهو التنقل؛ حينئذٍ إما أن يكون الوصف دالاً على صفة لازمة ثابتة لا تتبدل ولا تتغير، وإما أن يكون العكس؛ بأن يكون الوصف دالاً على صفةٍ قابلة للزوال.
ما هو ضابط الحال؟ أن تكون منتقلة.
إذاً إذا جاءت الحال وصفاً لازماً لا يتغير .. ملازم لموصوفه ثابت راسخ نقول: هذا خلاف الأصل، قد تأتي، لكن خلاف الأصل، فالأصل أن تكون منتقلاً، وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلاً: أي عن صاحبه غير لازم له، لا ثابتاً، ومعنى الانتقال أن لا تكون ملازمة للمتصف بها؛ جاء زيد راكباً، راكباً هذا حال، نقول: الركوب وصف لزيد؛ لأن الحال في المعنى صفة، إذاً راكباً هذا وصف لزيد، زيد هل ينفك عن الركوب؟ نعم ينفك عنه، قد يكون راكباً ويكون ماشياً ويكون مضطجعاً مستلقياً ويكون زاحفاً .. إلى غير ذلك، حينئذٍ راكباً نقول: هذا وصف منتقل، هذا هو الأصل فيه، فإذا جاء الوصف لازماً ثابتاً غير منتقل؛ حينئذٍ قلنا: هذا خلاف الأصل، وقد تأتي الحال كذلك غير منتقلة، مثل ماذا؟ قالوا: دعوت الله سميعاً؛ دعوت الله فعل وفاعل ومفعول به، سميعاً هذا حال، وهو وصف .. صفة ذاتية لله عز وجل، حينئذٍ نقول: هذه الصفة الذاتية لازمة لا تنفك عن موصوفها، لا يكون الله تعالى في وقت يسمع وفي وقت لا يسمع، بخلاف الصفات الفعلية كالنزول ونحوه، حينئذٍ نقول: تلك قد تنتقل، ولا بأس بهذا القول، وإنما الكلام في الصفات اللازمة الذاتية التي لا تنفك بحال من الأحوال عن موصوفه؛ دعوت الله سميعاً؛ إذاً سميعاً هذا حال، وهل هو وصف منتقل؟ الجواب: لا، ليس وصفاً منتقلاً، كذلك خلق الله الزرافة: فعل وفاعل ومفعول به، والزرافة بفتح الزاي وتضم زُرافة زَرافة، وزُرافة أفصح، يديها أطول من رجليها، أطول هذا أفعل تفضيل، دلت على الطول، إذاً فيها معنى الوصف، وهي فضلة وهي منتصبة، مُفْهِمُ فِي حَالِ؟ نعم، لكنها ليست منتقلة؛ لأن الذي يُفهم في حال قد يكون لازماً وقد يكون ثابتاً، أطول نقول: هذا حال من يديها، يديها: هذا بدل بعض من كل، خَلَقَ اللهُ الزَّرَافَةَ, الزَّرَافَةَ مفعول به منصوب، يَدَيْهَا بدل من الزرافة، يَدَيْهَا تثنية، ولذلك نُصب .. بدل بعض من كل، أطْولَ حال من يديها، مِنْ رِجْلَيْهَا هذا جار ومجرور متعلق بقوله: أطْولَ لأنه أفعل تفضيل.
إذاً أطْولَ نقول: هذا حال لازمةٌ لا تنفك عن الزرافة؛ لأنه لا تكون الزرافة في وقت يديها أطول من رجليها وفي وقت لا، بل هي ملازمة لهذا الوصف:
فسميعاً وأطول وسبط أحوال، وهي أوصاف لازمة، فحينئذٍ نقول: تأتي الحال غير منتقلة بمعنى أنها وصف لازم ثابت لموصوفها، وهذا خلاف الأصل في الحال؛ لأن الأصل في الحال وصف في المعنى، وكونها مشتقة من التحول لزم منه أن تكون موجودة معدومة, موجودة وقت الوصف معدومة في غير الوصف؛ جاء زيدٌ راكباً, راكباً إذاً هو في وقت يركب، وفي وقت لا يركب.