للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذن متى يجوزُ تقديم الحال على العامل؟ ليسَ الكلام في صاحب الحال, صاحب الحال أشارَ إليه بقوله: وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ أَبَوْا, فالمرفوع والمنصوب جائزٌ تقديمهما باتفاق على الخلاف السابق، وهنا الكلامُ في الحال وتقديمه على العامل نفسه.

قال: َالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا هذا الشرط الأول، أن يكون الفعل مُتصرِّفاً بمعنى أنه يأتي منه الماضي والمضارع والأمر، هذا المراد بالمتصرّف هنا، وغير المتصرّف هو الذي يلزمُ لفظ الماضي فحسب. أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا إذن هذا قيد أخرجَ الصفة التي لم تُشبه المصرف، إن كان العامل واحداً من هذين، فَجائِزٌ تَقْدِيْمُه، أي؛ تقديمُ الحال على العامل، ولذلك قال: كَمُسْرِعَا ذَا رَاحِلٌ، ذَا: مبتدأ؛ اسمُ إشارة، رَاحِلٌ: خبر وهو اسم فاعل وهو صِفَةٌ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا يعني: تتصرّف؛ لأنها باعتبار الأصل، والتصريف المراد به هنا في الصفة أن تقبلَ العلامات الفرعية، يعني: تُؤنث وتُثنى وتُجمع، ويقال: راحلةٌ وراحلان وراحلون.

إذن هي مُتصرّفة، ومُسْرِعَاً هذا حال من الفاعل المستتر في رَاحِلٌ, رَاحِلٌ هو، رَاحِلٌ اسم فاعل، يرفعُ فاعلاً وهو ضمير مستتر، مُسْرِعَا: هذا حال منه، والأصل: ذا راحل مسرعاً؛ حالة كونه مسرعاً، فمُسرعا: حال من الضمير المستتر. لكون العامل راحلاً وهو صفة متصرفة جاز تقديمها على العامل؛ فقيل: مُسرِعاً ذا راحل.

وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا الأصل "زيد دعا -يعني ربه- مخلصاً"، فمُخْلِصًا هذا حال من الفاعل في دعا، مُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا، زيد دعا ربه مخلصاً، مُخْلِصًا هذا حال من الفاعل المستتر، زيدٌ مبتدأ، ودعا هذا الجملة خبر، والفاعلُ ضمير مُستتر يعودُ على زيد، وَمُخْلِصًا هذا حال، والمفعول به محذوف –ربه-, لمّا كان دعا فعل ماضي مُتصرّف جازَ تقديم الحال على العامل فقيل: مخلِصاً زيدٌ دعا، وهاتان الصورتان تحتَهما صورتان؛ لأنه إذا قيل: ذا راحل مسند ومسند إليه .. جملة تامة، لكونِ العامل صفة مُتصرّفة جاز تقديم الحال عليها وعلى المسند إليه؛ الذي أُسندت إليه الصفة، أسندت لـ"ذا" فمن بابٍ أولى أن تتقدّمَ على الصفة دون المسند إليه؛ فيشمل قوله: "مُسْرِعاً ذَا رَاحِلٌ"، يشمل أيضا "ذا مسرعا راحل"من بابٍ أولى؛ لأنها إذا تقدّمت على "ذا" وهو مبتدأ، فمن بابٍ أولى أن تتقدم على العامل فقط دون المبتدأ، داخِل تحته صورتان، كذلك " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا"، زيد: مبتدأ، ودعا: الجملة خبر، ما دام أنه جُوِّزَ تقديم الحال على المبتدأ المسند إليه، ودعا جُملة هي مسند، فمن بابٍ الأولى أن يُفصَل بين الخبر والمبتدأ، فيُقال: "زيد مخلصاً دعا"، أيّهما أبعد وأيهما أقرب؟ " مُخْلِصًا زَيْدٌ دعَا" أبعد، فإذا جازت هذه فمن بابٍ أولى وأحرى أن يجاز "زيد مخلصاً دعا"، وإذا جاز "مسرعاً ذا راحل" فمن بابٍ أولى وأحرى أن يُقال: "ذا مسرعاً راحلٌ".

وَالْحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا ... أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ الْمُصَرَّفَا

فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ كَمُسْرِعَا ... ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا