وضابط ما ليس بفاعل في المعنى ما أفعل التفضيل بعضُه, وعلامتُهُ أن يصحَّ أن يُوضع موضع أفعل بعض -لفظ بعض- ويُضاف إلى جمع قائم مقامه, زيدٌ أفضل فقيهٍ، زيد: مبتدأ، وأفضل: هذا خبر، وهو مضاف وفقيه مضاف إليه, فإنه يصحّ فيه أن يقال: زيد بعض الفقهاء, فهذا النوع يجبُ جرُّه بالإضافة زيد أفضل فقيه, زيد بعضُ الفقهاء, إن صحَّ أن يجعل مكان أفعل التفضيل لفظُ بعض، ويؤتى بما بعده جمعاً حينئذٍ نقول وجب جره لأنه ليس فاعلاً في المعنى, فيجبُ جرّه بالإضافة إلا إذا أُضيف أفعل إلى غيره كالسابق .. كما ذكرناه سابقاً هناك: وَالنَّصْبُ بَعْدَ مَا أُضِيفَ وَجَبَا، إن أضيف أفعل التفضيل إلى غير التمييز حينئذٍ وجبَ نصبه، أنت أفضل الناس رجلاً، نقولُ: رجلاً هذا تمييز، وأفضل هنا يصحّ جعلها بعض, أنت بعض الرجال, زيد أفضل فقيه، زيد بعض الفقهاء,.
إذن: صحَّ أن يكون بمعنى بعض، فحينئذٍ نقول وجبَ جرّه، لكن منعَ مِن الجر هنا كونُهُ مضافاً فرجعَ التمييز على أصله فوجبَ نصبه.
وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا ... مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا
يعني: من المواضع التي يكون فيها التمييز منصوباً واجبَ النصب بعد ما اقتضى تعجباً، والمراد به ما اقتضى تعجباً وضعاً أو سماعاً, والوضعُ هما الصيغتان الموضوعتان في لسان العرب, ما أفعله وأفعل به، حينئذٍ إذا جاء التمييز بعدهما فهو منصوب واجب النصب, وكذلك ما إذا كان سماعياً وهي ألفاظ تُحفَظ ولا يُقاس عليها.
وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا: (بَعْدَ) مُتعلّق بميّز.
مَيّز بعد كل ما اقتضى تعجباً؛ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا؛ إما وضعاً وهو ما أفعله وأفعل به، أو لا وهو ألفاظ محفوظة في لسان العرب؛ نحو ماذا؟ لله دره فارساً.
وَبَعْدَ كُلِّ مَا اقْتَضَى تَعَجُّبَا ... مَيِّزْ كَأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا
أينَ التمييز هنا؟ أينَ صيغة التعجب؟ أَكْرِمْ بِأَبِي, ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:٣٨] مثله، أباً هذا تمييز واجب النصب، منصوب بماذا؟
أَبٌ أخٌ حَمٌ كَذَاكَ وَهَنُ,؟؟؟ يقعُ التمييز بعدَ كل ما دلَّ على تعجب, وجهُه أن التمييز يُزيل الإبهام, والتعجبُ لا يكون إلا مِن شيء خفِي سببه, هذا في حقّ المخلوق, فإذا خفي سببه جِيءَ بالتمييز ليزيل الإبهام وليشرح السبب, وهذا في التمييز غير المؤكِّد, لكن في حاصل التعجب هذا السبب قيل فيه نظر.
يقعُ التمييز بعد كل ما دلَّ على تعجب، لكنه ليس خاصاً بالصيغتين الموضوعتين اصطلاحاً، (للتعجب) فدخل فيه ما أفهمَ التعجب من غير الصيغتين, ما أحسن زيداً رجلاً, (ما) هذه تعجيبية بمعنى شيء، والصحيح أنها مبتدأ, وأحسن زيداً هذا فعل وفاعل ومفعول به والجملة خبر, ورجلاً هذا تمييز؛ تمييز من مفعول أحسن, وأَكْرِمْ بِأَبِي بَكْرٍ أَبَا .. قال في شرح الكافية: المراد به أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه, ولله درُّكَ عالماً, هذا سماعي, حسبُك بزيد رجلاً، سماعي كذلك, وكفى به عالماً، هذا سماعي, ويله رجلاً سماعي, ويحه إنساناً، هذا كله سماعي.
وَاجْرُرْ بِمِنْ إِنْ شِئْتَ غَيْرَ ذِي الْعَدَدْ ... وَالْفَاعِلِ الْمَعْنَى كَطِبْ نَفْسَاً تُفَدْ