بِالظّاهِرِ اخْصُصْ مُنْذُ مُذْ حينئذٍ لا يقال إلا منذُ يومين مثلاً أو مذ يومين, ولا تُضاف إلى الضمير؛ يعني لا تجرّ الضمير؛ وكذلك (حتى) لا يقال: حتاك وحتاه, والكاف لا يقال كك وكاه, والواو لا يقال وَه؛ لأن الواو هنا واو القسم, وربّ هذه لا تدخل على الضمير, لا يُقال ربه إلا على جهة القلة, والتاء تاء القسم حينئذٍ نقول هذه كلها خاصة بالاسم الظاهر.
ثم هذه السبعة منها ما يختصُّ اختصاصاً آخر زائداً على الاختصاص بالظاهر, وهي أربعة .. يعني مما سيذكره الناظم, وما عداها تدخل على الظاهر مطلقاً, ولذلك قال:
وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً ثنتان, وَبِرُبْ مُنكَّراً ثلاث وَالتَّاءُ للهِ وَرَبْ أربع؛ عدّ من السبعة أربعة خاصة ببعض الظاهر لا مطلق الظاهر, ما عدا هذه الأربعة تدخل على كل ظاهر.
وَاخْصُصْ: هذا تخصيص بعد تخصيص؛ خصَّ الأول بالبيت الأول خصها بالظاهر دون الضمير، ثم هل كل ظاهر تدخل عليه هذه السبعة؟ الجواب: لا, أربعة منها يختصّ بنوع من الظاهر، وثلاثة لا تخصّ ظاهراً دون ظاهر, بل تدخل على الجميع.
وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً يعني: اسمَ زمان, هل كل ظاهر يكون اسم زمان؟
الجواب: لا؛ إذن: ظرف الزمان أو اسم الزمان هو مدخول ومجرور منذُ ومنذُ إن جُرّا بها, سيأتي أنهما قد يكونا اسمين.
وَاخْصُصْ بِمُذْ وَمُنْذُ وَقْتاً إذن: لا تدخل إلا على ما دلَّ على الزمان, وما لم يدلّ على الزمن من الاسم الظاهر حينئذٍ لا يصح جره بمنذُ ومنذُ.
قال ابن عصفور: ما يُسأل به عن الوقت كالوقت؛ يعني صارَ حكمه حكم الظرف الزماني، وحينئذٍ يصح أن يكون مدخولا لمذ ومنذُ, ما يُسأل به عن الوقت كالوقت بشرط أن يكون مما يُستعمل ظرفاً, فتقول: منذُ كم؟ كم هذه يُسأل بها عن الوقت, وإذا سأل بها عن الوقت عُوملت معاملة الوقت؛ فصح جرها بمذ ومنذُ, منذُ كم؟ ومذ متى؟ ومذ أي وقتٍ؟ ولا تقول مُذ ما, لأن ما هذه لا يُسأل بها عن الوقت.
إذن: ما يُسأل به عن الوقت حكمه حكم الوقت فيكون مدخولاً لمذ ومنذُ, وهو ثلاثة أشياء ذكرها: كم ومتى وأي، ولا يصح أن يقال: مذ متى لأن (ما) لا تكون ظرفاً.
فإن قيل: مُذ ومُنذُ خصّها الناظم هنا بالوقت، وسيأتي أنهما قد يكونا اسمين, هل بينهما تخالف؟ فإن قيل: سينصَ على دخولهم على الأفعال: أَوْ أُولِيَا الْفِعْلَ كَجِئْتُ مُذْ دَعَا, كيف هنا خصّها بالظاهر وخصّها بالزمن ثم يقول: أَوْ أُولِيَا الْفِعْلَ؟
نقول: ثم فرقٌ بينهما الكلام هنا في مذ ومنذُ الجارّتين وهما حرفان, والكلام هناك في مذ ومنذُ اسمان, ونحن لا نتحدث عن مذ ومنذُ الاسمية, وهما وإن اشتبها في اللفظ إلا أن بينهما فرق؛ تلك اسم وهذه حرف, حينئذٍ لا نعدّها شيئاً واحداًَ, وإنما الاسمية مُستقلة بلفظها ووضعها, والحرفية مُستقلّة بلفظها ووضعها؛ فلا نقول: مذ ومنذُ هي نفسُها تأتي تارة حرفاً, وتارة اسماً، نقول لا؛ تأتي حرفاً ثم تأتي اسماً، لكن بوضع ثانوي ليس هو عين الأول، فإن قيل سينصّ على دخولهما على الأفعال فكيف يصحّ دعوى الاختصاص بالوقت؟