للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المعنى يحتمل هذا وهذاك، إذا قلت تبعيض مطلق بمعنى أن الكلمة مُستقلة تدلُّ على ذلك المعنى جعلتها اسماً، كما تقول بيت ومسجد وماء، يدلّ على المعنى الذي وُضع له في لسان العرب كذلك (من) أفادت التبعيض, إذا أفادت بنفسها بذاتها بلفظها جعلتها اسماً، وإنما تقول أفادت التبعيضَ في غيرها، أما في نفسها فلا, لكن إذا أردت معنى التبعيض جئت بمن, فحينئذٍ يُلاحَظ هذا المعنى في غيره, المعنى دقيق يحتاج إلى تأمّل. وآلة لربط أحدهما بالآخر فليس المراد مُطلق التبعيض، بل المراد التبعيض الملحوظ لغيره, المشترَك بين (مِن) وما قبلها وما بعدها, وقِس على ذلك بقية المعاني.

قال صاحب المفتاح -والمبحث بياني-: المراد بمتعلقات معاني الحروف ما يُعبّر بها عنها عند تفسير معانيها؛ مثل قولنا: (مِن) معناها ابتداء الغاية, و (في) معناها الظرفية, و (كي) معناها الغرض؛ فهذه ليست معاني الحروف, هذه المعاني ليست معاني الحروف وإلا لما كانت حروفاً بل أسماء لأن الاسمية والحرفية إنما هي باعتبار المعنى, وإنما هي متعلقات لمعانيها, أي: إذا أفادت هذه الحروف معاني رجعت تلك المعاني إلى هذه بنوع استلزام، ومرادُه بهذا أنك إذا أردتَ التبعيض وهو معنى من المعاني أو أردت الظرفية حينئذٍ تستعمِلُ اللفظ أو الحرف الذي استعمله العربُ في ذلك المعنى, فإذا أردتَ معنى الظرفية تأتي بـ (في)، ثم ما مرادُك بهذه الظرفية المتعلقة بـ (في)؟

تقول هذه الظرفية لم تدلّ عليها (في) استقلالاً، وإنما باعتبار ما بعدها، وقس عليه سائر البحث.

ولا خلافَ في كون المعنى المستعمَلُ فيه الحرف جزئياً ملحوظاً للغير, هذا كما قيل في أسماء الإشارة هناك, إذا قيل هي معرفة .. سبقَ أننا قلنا الصحيح أنها هي كليّة وضعاً جُزئية استعمالاً. إذن: وضعها العربُ لتُستعمل في كل مشار إليه، ثم إذا استعمل صارت جزئية في نفس المستعمل فيه, هذه مثلها إذا قيل التبعيض معنى كلي, ثم إذا استعملته في مثال مُعيّن, قلنا هذا المثال المعين جزئي، هل المعنى الجزئي هو الذي وضع له في لسان العرب الواضع الأول؟

الجواب: لا؛ وإنما وضعت وضعاً كلياً ثم استعملت استعمالاً جزئياً؛ فالكلام فيها كالكلام في أسماء الإشارة, لا خلافَ في كون المعنى المستعمل فيه الحرف جزئياً ملحوظاً للغير؛ يعني في التراكيب والآحاد نفسها .. هذا لا خلاف فيه, وإنما الخلاف في كون هذا الجزئي هو الموضوع له أو لا .. هذا محل النزاع، وهذه المسألة يتكلم فيها أربابُ الوضع. وقيل جزئيات وضعاً واستعمالاً، وقيل: كليات وضعا جزئيات استعمالاً؛ فهي موضوعة للمعاني الكلية الملحوظة لغيرها, فلهذا شرطَ الواضع في دلالتها ذِكرَ الغير معها؛ يعني لا تُستعمَل هكذا مجردة, وإنما لا بد من كلمة سابقة وهي المتعلَّق وكلمة لاحقة وهي المتعلِّق.

هذه المعاني التي يذكرها النحاة: بعض وبين .. وهي حرف واحد قد يكون له أكثر من عشرين معنى, مذهبُ البصريين أن حروفَ الجرّ لا ينوب بعضها عن بعضٍ قياساً, هل ينوب حرفٌ عن حرف؟ هذه مسألة والألفية قائمة على هذا, الباب كله قائم على الإنابة, هل يأتي الباء بمعنى في، وفي بمعنى الباء؟