مذهب البصريين لا, لا ينوبُ حرف عن حرف قياساً؛ كما لا تنوب حروف الجزم والنصب عن بعض, وما أوهمَ ذلك بأنه أُنيب فيه حرف عن حرف ما العمل فيه؟
قالوا: نرجعُ إلى التضمين نضمن الفعل معنى يتعدّى بذلك الحرف, أو على شذوذ النيابة, إما بالتضمين وإما أنه شاذّ, هذا أو ذاك, فالتجوّز عندهم في غير الحرف، وإنما في الفعلِ نفسِه, التجوّز ليسَ في الحرف .. لم ينُب حرف عن حرف، وإنما التجوز في كون الفعل ضُمّن معنى يتعدى بذلك الحرف الذي لفظ فيه, فالتجوز عندهم في غير الحرف أو في الحرف لكنه شاذّ, والثاني لا يُعوّل عليه عندهم.
وجوّزَ الكوفيون نيابة بعضها عن بعض قياساً, وأكثرُ العلماء على هذا، سواء في التفسير أو الحديث أو النحو على أن الحرف ينوبُ عن الحرف في المعنى, لكن لا بدّ أن يكون مردُّه إلى استعمال العرب؛ يعني لا تأتي تُنِيب حرف من عندك هكذا؛ تأتي بـ (في) تنيبها مناب مثلاً التبعيض ولم يستعمله العرب، لا, تُنِيب على ما استعمله العرب وما لم يستعمله لا, يبقى الأصل فيه المنع.
إذن: جوز الكوفيون نيابة بعضها عن بعض قياساً, حينئذٍ التجوّزُ عندهم في الحرف أو في الفعل؟ في الحرف نفسِه .. المجاز يكون في الحرف نفسه.
قال في المغني: وهذا المذهب أقلّ تعسفاً؛ لأن الأول فيه تكلّف, تأتي إلى الفعل ولا بد أن تُضمّنه معنىً زائداً على معناه الأصلي لا, نقول: نيابة حرف عن حرف أولى وأخف وأسهل.
بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ فِي الأَمْكِنَةْ ذكر لـ (من) خمس معاني:
التبعيض, وبيان الجنس, وابتداء الغاية في غير الزمان كثيراً وفي الزمان قليلاً .. هذه أربعة.
وَزِيدَ فِي نَفيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرْ نَكِرَةً .. الزائدة، فالزائدة إنما تكون للتوكيد, إذن هذه خمسُ معاني, أشهر معاني (من) هي هذه التي ذكرها الناظم.
بَعِّضْ أتى به بصيغة الأمر، وليس المراد به الأمر وإنما أراد به الخبر, قد يأتي بالأمر مراداً به الخبر.
إذن: بَعِّضْ نقول: المراد بالأمر هو الخبر, ولذلك قال ابن عقيل:
تجيءُ (من) .. عبّرَ بالخبر ولم يأت بالأمر.
الأول: التبعيض نحو قوله تعالى: ((حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)) [آل عمران:٩٢] يعني: بعض ما تحبون, وعلامتُها أن يصحّ أن يخلفها لفظ بعض, إذا صحّ أن تأتي بلفظ (بعض) حينئذٍ نقول هذه للتبعيض, ولذلك قُرئ (بعض ما تحبون).