الثاني: لبيان الجنس، ومثّلَ ابن عقيل بقوله: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ)) [البقرة:٨] وهذا سبقَ التنبيه عليه, (من) التبعيضية في بعض المواضع قد يكون الأرجح أن تُجعَل اسما مبتدأ لصحة المعنى, وأما مطلقاً هكذا دائماً تكون حرفاً هذا محلّ إشكال, ولذلك المعنى قد لا يستقيم وهذه الآية منها, ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)) [البقرة:٨] , الأولى أن نجعل (مِن) مبتدأ, ومَن يقول نجعل الجملة هذه خبر, لأنك لو جعلتَها على أصلها فقلت هي حرف مُتعلّقة بمحذوف، لأن لا بد أن يكون خبراً لا يكون مبتدأ, حينئذٍ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ .. هم من الناس, هذا معلوم ليس فيه فائدة جديدة لو قال قائل: الذين يقولون آمنا وما هم بمؤمنين من الناس, من أين هم؟ جدار ليسوا جدار, لكن لو حُكم على البعض؛ بعضُ الناس بعض الناس يقول آمنا وما هم بمؤمنين، أي المعنيين أجمل؟ الثاني لا شك, ولذلك ذهبَ الزمخشري أن (من) التي للتبعيض تكون اسما مبتدأ وهذا أولى، ومثّلَ الشارح بهذه الآية والأولى تركها.
((فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)) [البقرة:٢٥٣] بعضهم آمنَ وبعضهم كفرَ, إذن نقول هذه للتبعيض, أخذتُ من الدراهم أي: بعض الدراهم، هذا لا إشكال فيه واضح.
بَعِّضْ وَبَيِّن يعني التي تكون لبيان الجنس، وعلامتها أن يصحَّ أن يخلفها اسم موصول مع ضمير يعودُ على ما قبلها، هذا إن كان المعرفة, ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:٣٠] سبقَ أن (من) هذه لبيان الجنس, يخلفُها ويحل محلَّها اسم موصول مع ضمير يعودُ على الاسم السابق, فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، إذاً صحَّ .. حينئذٍ إذا صح حلول اسم موصول مع ضمير يعود على ذلك الذي يكون قبل (مِن) حينئذٍ نقولُ هذه (من) لبيان الجنس, هذا إن كان ما قبلها معرفة، فإن كان نكرة فعلامتها أن يخلفَها الضمير فقط ((أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)) [الكهف:٣١] أساور هي ذهب, أي: هي ذهبٌ, والأحسنُ في علامتها أن يصحّ الإخبار بما بعدَها عما قبلها, هذا يجمع النوعين.
إذن: ضُبِطت التي لبيان الجنس بأن يصحّ أن يخلفها الذي -اسم موصول- مع ضمير عائِد على سابقه, وذلك مثلُ قوله ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ)) [الحج:٣٠] اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان, وهذا إذا كان معرفة.
وأما إذا كان نكرة حينئذٍ نٍأتي بالضمير فحسب دون اسم الموصول, ((مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)) [الكهف:٣١] أساور هي ذهب.
بَعِّضْ وَبَيِّن وابْتَدِئْ المراد بالابتداء ابتداء الغاية التي هي المسافة.
فِي الأَمْكِنَةْ هذا محلّ وفاق، تكون (من) لابتداء الغاية يعني المسافة في الأمكنة, هذا محل وفاق بين البصريين والكوفيين, ومثاله قوله: ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)) [الإسراء:١] فالمسجد الحرام ابتداء للإسراء وهو ابتداء مكاني.