للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفهم بعضهم أنه لا يصح أن يقال: بأنها للتبعيض إلا إذا وجد فيها شرط التبعيض السابق الذي مر معنا في حروف الجر، وهو أن يؤتى ببدل (من) كلمة بعض، وليس هذا مراد سيبويه، وإنما أراد أنها مُشربة المعنى، وإذا كان كذلك لا يلزم أن يُصرح ببعض، فرق بين أن يقال: (من) للتبعيض أصالةً، وبين أن يقال: أُشربت معنى التبعيض، هذا مثل ما سبق أن نقول في الظرف: هذا تضمن معنى في، لكن لا يلزم منه أن يصرح بفي، هنا كذلك فهم البعض أنه لما قال سيبويه: مشربةٌ معنى التبعيض أنه لا بد أن يوجد فيها شرط (من) التبعيضية، وهو صحة حلول لفظ (بعض) محلها، نقول: لا، ليس هذا المراد، وإنما أراد أن اللفظ لابتداء الغاية وهو الأصل وأُشرب معنى التبعيض، يعني: يلاحظ فيه معنى التبعيض، وإن لم تكن (من) متمحضةً للتبعيض، وإن لم يصح حلول لفظ (بعض) محل (من)، فاللفظ عام.

أنها لابتداء الغاية مع الإشارة إلى معنى التبعيضِ فقال في نحو: هو أفضل من زيدٍ، ما معناه عند سيبويه؟ قال: فضله على بعضٍ، يعني بعض الناس ولم يعم.

والمراد بالتبعيض هنا: كون مجرورها بعضاً لا التبعيض المتقدم في حروف الجر، كما فهم ذلك ابن هشام فردَّ هذا القول بناء على أنه لا يصلح لفظ (بعض) محل (من)، نقول: لا، ليس هذا المراد؛ لأن التبعيض هنا بالإشارة ليس بمعنى (من) لفظها، لا، هي لابتداء الغاية، فالمعنى المراد: "زيدٌ أفضلُ من" المراد ابتداء الغاية، وأُشربَ وأُشيرَ وضمن معنى أو ملاحظة التبعيض، فلا يلزم أن تكون بمعنى (من) التبعيضية فيحل محلها لفظ (بعض) خلافاً لما ذهب إليه ابن هشام.

المذهب الثالث وهو مذهب الناظم: أنها بمعنى المجاوزة: أي مجاوزة الفاضل للمفضول بمعنى زيادته عليه في الوصف، والمراد أنها تفيد ذلك مع بقية التركيب، ليست مطلقة، فكأن القائل زيدٌ أفضلُ من عمروٍ: "جاوزَ زيدٌ عمراً في الفضلِ"، وهذا تكلف، وإن كان مذهب ابن مالك "جاوز زيدٌ عمراً في الفضلِ"، ليس هذا المراد. والأول أولى. يعني: مذهب المبرد: أنها لابتداء الغاية فقط.

ووجهه أن (من) لا تحُمل على غير الابتداء إلا إذا منع منه؛ لأنه أشهر معانيها، وهنا لا مانع من حملها عليه فلا حاجة لإخراجها عنه؛ لأنها الأصل، فإذا كان كذلك فحينئذٍ تبقى على ما هي عليه.

(وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا تَقْدِيراً) عرفنا المراد بالتقدير، (أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا).

قوله: (صِلْهُ أَبَدَا) نفهم منه أنه يجب أن يكون (من) ومجرورها متصلاً بأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ، قال: وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَاً بِمِِنْ، إذاً إذا زيدت (من) حينئذٍ نقول: لا بد أن يكون متصلاً بأفعل التفضيل.

يقتضي قوله: (صِلْهُ أَبَدَا) أنه لا يفصل بين (أفعل) وبين (من)، وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بـ (لو) وما اتصل بها وبمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل وزاد بعضهم النداء. ثلاثة أشياء.

وليس على إطلاقه، بل يجوز الفصل بينهما بمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل، وقد فصل بينهما بـ (لو) وما اتصل بها كقوله:

وَلَفُوكِ أَطْيَبُ لَو بَذَلتِ لَنَا ... مِنْ مَاءِ مَوهَبَةٍ عَلَى خَمْرِ

(وَلَفُوكِ أَطْيَبُ) أَطْيَبُ أفعل التفضيل.