(مِنْ مَاءِ) فصل بين أَطْيَبُ وقوله: مِنْ مَاءِ بقوله: لَو بَذَلتِ لَنَا، جملة: لَو بَذَلتِ لَنَا، لو وما دخلت عليه فاصلة بين أفعل التفضيل ومن، هذا جائز في سعة الكلام وليس ضرورة.
قال بعضهم: ولا يجوز غير ذلك.
وأجاز بعضهم الفصل بالنداء، حكاه العصفور، وكذلك على الصحيح يجوز الفصل بمعمول أفْعَلَ التَّفْضِيْل ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) [الأحزاب:٦] جاء في فصيح الكلام، وإذا جاء في فصيح الكلام انتهينا، ((أَوْلَى)) هذا أفْعَلَ التَّفْضِيْل، ((مِنْ أَنْفُسِهِمْ)) هذا المفضل عليه، ((أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأحزاب:٦] إذاً بالمؤمنين جار ومجرور متعلق بقوله: أولى، إذاً تعلق بأفعل التفضيل.
إذاً: ما كان متعلقاً أو معمولاً لأفعل التفضيل جاز الفصل بينه وبين (من) ومجرورها.
وَأَفْعَلَ التَّفْضِيلِ صِلْهُ أَبَدَا ... تَقْدِيراً أَوْ لَفْظاً بِمِِنْ إِنْ جُرِّدَا
لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون مجرداً، فإن كان مجرداً فلا بد أن يتصل به (من) لفظاً أو تقديراً، جارة للمفضل عليه. زيدٌ أفضلُ من عمروٍ ومررت برجلٍ أفضلَ من عمروٍ، وقد تحذف (من) ومجرورها للدلالة عليهما كقوله: ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ)) [الكهف:٣٤] هذا (من) والكاف هو المفضل عليه، والجار والمجرور متعلق بقوله: ((أَكْثَرُ)).
((مَالاً)) منصوب على التمييز، ((وَأَعَزُّ نَفَرًا)) [الكهف:٣٤] يعني: أعز منك، إذاً: حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، ((وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى)) [الضحى:٤] هذا فصل بينهما. وفهم من كلامه أن أفْعَلَ التَّفْضِيْل إذا كان بأل أو مضافاً يمتنع وصلهما بـ (من)؛ لأنه قال: إِنْ جُرِّدَا، وعرفنا بالاستقراء أن الأحوال ثلاثة: إما أن يحلى بأل، أو يضاف، أو يجرد، خص الحكم هنا بالمجرد، فدل على أن ما عداه لا يجب، بل يمتنع أن يوصل بـ (من)، فلا يقال: زيدٌ الأفضلُ من عمروٍ لا. ولا يقال: زيدٌ أفضلُ رجلٍ من عمروٍ أو أفضلُ الناس من عمروٍ .. نقول: لا. لا يجوز وسيأتي التعليق.
وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافاً يمتنع وصلهما بـ (من) .. لا تصحبه (من)، فلا تقل: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، ولا زيد أفضلُ الناس من عمروٍ .. هذا فاسد.
وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبراً يعني الحذف، -ابن عقيل فصل بينهما-.
وأكثر ما يكون ذلك المشار إليه يعني: حذف (من) ومجرورها، إذا كان أفعل التفضيل خبراً كالآية ونحوه، وهو كثير في القرآن، وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله:
دَنَوْتِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالَبْدرِ أَجْمَلاَ ... فَظَلَّ فُؤادِي فِي هَوَاكِ مُضَلّلاً
أَجْمَلَ مِن مَن؟ أَجْمَلَ من البدرِ، حذف من البدر للعِلم به.
فأجمل أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دَنَوْتِ، وحذفت منه (من)، والتقدير دَنَوْتِ أجملَ من البدرِ وَقَدْ خِلْنَاكِ كَالَبْدرِ.
((وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)) [الأعلى:١٧] كلاهما أفعل تفضيل خير من الدنيا، وأبقى من الدنيا .. حذفا منهما للعلم بهما.