للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) أكدوا الضمير المتصل المرفوع (بِمَا) يعني: بمؤكدٍ (سِوَاهُمَا) سوى العين والنفس، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا)، أيُّ قيد .. أين هو من كلامه؟ (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) هكذا، يعني: حتماً، فأكد بهما قلنا: بعد هذا منصوب بعامل محذوف، تقديره: فأكد بهما بعد المنفصل، إذاً: وجب التوكيد بعد المنفصل إذا كان التوكيد بالنفس والعين.

(وَأَكَّدُوا) أي: العرب، الضمير المتصل المرفوع (بِمَا) جار ومجرور متعلق بقوله: أَكَّدُوا، وما: هنا اسم موصول بمعنى: المؤكد، أكدوا بمؤكدٍ (سِوَاهُمَا) يعني: سوى النفس والعين، استقر سواهما، أو ثبت سواهما، (والقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما) فيجوز تركه، إذا كان القيد السابق (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) لن يلتزم حينئذٍ جاز تركه.

وفهم من عبارته: أنه جائزٌ التوكيد، لأنه قال: لن يُلتَزَم .. لن يجب، ونفي الوجوب لا يستلزم نفي المشروعية، هذا الأصل، في الشرع إذا قيل: ليس بواجب معناه: ليس بمشروع؟ لا، قد يكون مندوباً، المشروع: هذا يشمل الواجب والندب، فإذا قيل: ليس بمندوبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بواجب، وإذا قيل: ليس بواجبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بمندوب، وإذا قيل: ليس بواجبٍ لا يُفهم منه أنه ليس بمشروع، والعكس بالعكس، لأن المشروع أعم، يعني: جاء به الشرع.

(وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَما) نفى الوجوب .. شرطية، وهذا لا ينفي أنه يجوز -الجواز والإباحة- أنه يجوز أن يؤكَّد بعد الفصل.

(وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) يعني: سوى النفس والعين، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا) القيد السابق الذي أشار إليه بقوله: (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) .. لَنْ يُلْتَزَمَا، القَيْدُ: مبتدأ، ولَنْ: هذا ناصبة، ويُلْتَزَمَا: الألف للإطلاق، ويُلْتَزَمْ: فعل مضارع مُغيِّر الصيغة منصوب بلن، ونصبه فتحة ظاهرة على آخره، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، (وَالقَيْدُ لَنْ يُلْتَزَمَا) يعني: غير مُلتَزَمٍ به، فُهِمَ منه أنه جائز، حينئذٍ يجوز تركه.

قال الشارح هنا: " لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين إلا بعد تأكيده بضميرٍ منفصل " وهذا على قول الجمهور .. بل الجماهير: أنه يشترط أن يكون الفاصل ضمير منفصل، وذهب بعضهم ورجحه السِيُوطي في: الهمع، أنه لا يشترط الضمير، بل بأي فاصلٍ، وذهب بعضهم إلى أن الشرط مطلق الفصل، ولا يشترط أن يكون ضميراً.

قال السِيُوطي: " لا يشترط في كون الفاصل ضميراً "، لكن المشهور هو ما ذكره الناظم هنا، أنه يجب أن يكون الفاصل هو الضمير المنفصل. إلا بعد توكيده بضميرٍ منفصل: قوموا أنتم أنفسكم، قوموا: هذا فعل أمر، فيه ضمير متصل وهو الواو، هذا ضمير رفع متصل بعامله، أردت توكيده بالنفس، لا يصح أن تقول: قوموا أنفسُكم هكذا! على أن يكون أنفس هو توكيدٌ للضمير المتصل، بل لا بد أن يُفصل بينهما، والعلة التي ذكرنها سابقاً. قوموا أنتم أنفسكم، أو أعينكم، ولا تقل: قوموا أنفسكم، بل تقول: قم أنت نفسك أو عينك، وقمنا نحن أنفسنا، وقاموا هم أنفسهم، إذاً: لا بد من الفصل بين الضمير المتصل المرفوع، والتوكيد إذا كان بالنفس والعين.