للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا في النثر فجماهير النحاة على المنع، على أنه لا يجوز أن يحذف حرف العطف ثم يكون الكلام من قبيل عطف النسق؛ لأنه يوقع في اللبس، لو قيل: جاء زيدٌ أخوك .. جاء زيدٌ وأخوك، جاء زيدٌ عمروٌ، عمروٌ: هذا يحتمل أنه بدل غلط مما سبق، لو قيل: جاء زيدٌ وعمروٌ ثم حذفت الواو، جاء زيدٌ عمروٌ هذا يلتبس .. يوقع في اللبس، لأن السامع يتوهم أن عمرو عطف نسق أو أنه بدل غلط مما قبله؟ هذا محتمل، كل ما أوقع في لبسٍ للسامع حينئذٍ الأصل اجتنابه. بحرفٍ ولو تقديراً، لأن حذف العاطف جائزٌ عند المصنف نظماً ونثراً، ونجري كلامه دائماً على ما رجحه هو لا ما رجحه غيره.

(تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، ليس كل حرفٍ يستعمل في النسق لا، وإنما نستقرئ كلام العرب فننظر ما الذي استعملوه من حروف العطف فنستعمله، ولذلك ثَمَّ حروف يختلف فيها النحاة: هل هي حرف عطفٍ أم لا؟

(بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، وهو تَشْرِيك الثاني مع الأول في عامله، وقلنا: هذا هو المعنى المصدري لعطف النسق: تشريك معمولين في عاملٍ واحدٍ، لأن الكلام هنا في النوايا والمقاصد، تَشرِيك معمولين في عاملٍ واحدٍ، لا بد أن يكون هذا الحرف الموضوع للإتباع مُشَرِّكاً لما بعده فيما قبله إمَّا لفظاً ومعنىً، وإمَّا لفظاً لا معنىً.

إذاً (مُتْبِعٍ) أي: موضوعٍ للإتباع، وما المراد كونه موضوعاً للإتباع؟ هو تشريك الثاني مع الأول في عامله، فأخرج نحو: (مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ)، (أي) هذه عند الكوفيين حرف عطف، فيها خلاف بين النحاة البصريين والكوفيين، الكوفيون يرون أنها حرف عطف، والبصريون يرون أنها حرف تفسير، مثل (أل) التفسيرية، فحينئذٍ ينبني على هذا خلاف، رأيت أسداً، أي: غضنفراً، رأيت غضنفراً، أو: مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ، أسد: لو اعتبرنا (أي) هذه حرف عطف حينئذٍ صار مثل: جاء زيدٌ وعمروٌ، مررت بغضنفرٍ، جار ومجرور، (أي) حرف عطف، أسدٍ: معطوفٌ على غضنفر، والمعطوف على المجرور مجرور، و (أي) هذه مثل الواو، كأنك قلت: مررت بزيدٍ وعمروٍ، حكمه واحد، هذا عند الكوفيين.

وعند البصريين لا: ما بعد (أي) يكون بدلاً، أو عطف بيان مما سبق، حينئذٍ (مررت بغضنفرٍ أي) أي: حرف تفسيرٍ مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، وليس بحرف عطف، فلن يكون من عطف النسق البتة، إذا نفينا أن يكون حرف عطف، حينئذٍ لن يكون من عطف النسق البتة، وأسدٍ بالخفض: تابعاً لغضنفر، ما نوعه؟ إمَّا أنك تعربه عطف بيان، أو بدل، لا إشكال، فأسدٍ: بدل.

قد يرد السؤال هنا: (أي .. أسدٍ) أسد تابع، وغضنفر متبوع، توسط بينهما حرفٌ، هل يصدق عليه حد عطف النسق أو لا؟ نقول: لا يصدق عليه، لأن هذا الحرف (أي) لم يوضع للتَشْرِيك، نحن اشترطنا قلنا: بحرفٍ مُتْبِعٍ، يعني: موضوع للإتباع، ما المراد بكونه: موضوعاً للإتباع؟ تشريك الثاني مع الأول في عامله، وليس الأمر كذلك في (أي).

إذاً: فإن أسداً تابعٌ بحرفٍ وليس معطوفاً عطف نسق بل بيان، فهو عطف بيان، نعربه عطف بيان، لأن (أي) حرف تفسيرٍ لا حرفٌ متبع، والناظم قال: (تَالٍ بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) يعني: موضوعٌ للإتباع، و (أي) لم يوضع للإتباع.