للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذاً (بِحَرْفٍ مُتْبِعٍ) نقول: موضوعٌ للإتباع، والمراد بالإتباع تشريك معمولين في عاملٍ واحدٍ في إعرابه، يعني: يكون الإعراب الثاني تابعاً للأول بواسطة هذا الحرف، فحينئذٍ أخرج حرفاً لم تضعه العرب للإتباع، وهو (أي) التفسيرية، فإذا قال قائل: حدُّ عطف النسق التابع الذي توسط بينه وبين متبوعه حرفٌ، و (مررت بغضنفرٍ أي: أسدٍ) تابعٌ ومتبوعٌ وتوسط بينهما حرف، إذاً: هذا عطف نسق، نقول: لا! ارجع إلى الحد، ما هو حد عطف النسق؟ التابع المتوسط بينه وبين متبوعه بحرفٍ، أي: موضوعٍ للإتباع، حينئذٍ إذا لم يوضع للإتباع فحينئذٍ لا يرد نقداً أو اعتراضاً على الحد. لا حرفٍ متْبِعٍ على الصحيح، وليس لنا عطف بيان بعد حرفٍ إلا هذا.

يعني: ليس عندنا عطف بيان بعد حرفٍ إلا هذا النوع، وهو الواقع بعد (أي) التفسيرية.

وخرج التوكيد المسبوق بحرفٍ كما ذكرناه: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: ٤ - ٥] سبق أن ثُمَّ هنا، و ((أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)) [القيامة:٣٤] أن هذا الحرف صُورِي، قلنا: توكيد الجملة اللفظي الأكثر أن يكون في الجمل، وتعطف بثُمَّ وألحق الرضي بها الفاء، طيب! إذا وقع العطف بثُم هل هو عطف نسق؟ قلنا: لا، ليس بعطف نسق، لأن المعنى غير مراد، إذ لو كان عطف نسق لخرج عن التوكيد، لأن ما بعد ثم مطابقٌ في اللفظ لما قبل ثم: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: ٤ - ٥] مطابقٌ له، إذاً: (ثم) جيء بها هنا لعطف ما بعدها على ما قبلها صورةً فسحب، إذ لو كان المراد بها حقيقة العطف لخرج من باب التوكيد إلى باب عطف النسق، وليس هذا المراد، لأنهم أطلقوا على أنها من أمثلة التوكيد بالجملة، والتي فُصِل بينهما حرفٌ.

وقلنا: ما كان متصلاً .. الجملة الثانية هي عين الأولى وبينهما اتصالٌ شديد، فعند البيانيين أنه يمتنع الفصل بينهما بحرف عطف، و (ثُم) هنا في هذا التركيب ليست بحرف عطفٍ لفظاً ومعنى، وإنما هي من جهة المعنى.

وخرج التوكيد المسبوق بحرفٍ نحو: ((كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ)) [النبأ: ٤ - ٥] ولو جُعِلَ قوله: (بِحَرْفٍ) الباء للسببية لخرج جميع ذلك، يعني: لو قيل: تَالٍ بِحَرْفٍ، الباء إذا حملناها على الملابسة ورد علينا ما سبق وأخرجناه بما ذُكِر، وإذ جعلناها -بِحَرْفٍ - سببية، يعني: بسبب حرفٍ متبعٍ لم يرد شيء، لأن مررت بغضنفرٍ، أي: أسدٍ التبعية ليست بسبب (أي) هنا، وإنما بسبب ما قبله، حينئذٍ صار عطف بيان، لانطباق حد عطف البيان عليه، وكذلك الذي ذكره في التوكيد.