(وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحسْبُ) الفاء هذه زائدة لتزيين اللفظ كما سبق، وحسب بمعنى: قط، بقية حروف العطف، (بَلْ) هذا فاعل أتبعت و (لاَ) معطوف عليه (لَكِنْ) على إسقاط العاطف يعني: ولكن، (كَلَمْ يَبْدُ امْرُؤٌ لَكِنْ طَلاَ)، كَلَمْ يَبْدُ يعني: كقولك، حينئذٍ صارت الكاف جارَّةً لقول محذوف، لَمْ: حرف نفيٍ وجزمٍ وقلب، مبني على السكون لا محل له من الإعراب، (يَبْدُ) فعل مضارع مجزومٌ بلم، وجزمه حذف حرف العلة الواو، لأنه من بدا يبدو كـ: دعا يدعو، مثله: لم يدع، حينئذٍ (يَبْدُ) نقول: هذا فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بلم، وجزمه حذف حرف العلة وهو الواو، والفاعل (امْرُؤٌ) .. فاعل مرفوع بـ: يبدو، فاعلٌ مرفوع ورفعه ضمة ظاهرة على آخره، (لَكِنْ) حرف عطف مبنيٌ على السكون لا محل له من الإعراب، (لَكِنْ طَلاَ) بفتح الطاء مقصوراً، هو نفسه مقصور طلا الولد من ذوات الظلف، وقيل: ولد بقر الوحش فقط، يعني: مختلف فيه.
إذاً:(لَكِنْ طَلاَ)، طَلاَ: هذا معطوف على (امْرُؤٌ) والمعطوف على المرفوع مرفوع، إذاً: شَرَّكت ما بعدها فيما قبلها في الرفع، وسيأتي من أحكام الباب: قد يكون العطف محلاً، وقد يكون تقديراً، وقد يكون لفظاً.
(طَلاَ) نقول: هذا مرفوع ورفعه ضَمَّة مُقدَّرة على آخره، لأنه كفتى، فتى: حركته مُقدَّرة، (طَلاَ) مثله، وهو معطوف على (امْرُؤٌ) إذاً: الضَمَّة مُقدَّرة على آخره، لَمْ يَبْدُ امْرُؤٌ: لم يظهر، هذا نفيٌ للبداء عنه وهو الظهور، (لَكِنْ طَلاَ) يعني: لكن ظهر طلا، أو الظاهر طلا، إذاً شَرَّكَتْه في اللفظ دون المعنى، لأن ما قبل (لكن) وهو امرؤٌ الحكم منفيٌ عنه، وما بعد (لكن) وهو طلا الحكم ثابتٌ له، فالذي نُفي أولاً أثبت ثانياً لما بعد (لكن)، إذاً: شَرَّكَت بينهما في الإعراب فحسب، وهذا مراده بقوله:(وَأَتْبَعَتْ لَفْظاً فَحسْبُ بلْ) فقط يعني، وأمَّا في المعنى فلا، هذا يختلف، لكن هو مثَّل بـ (لكن) دون (بل) و (لا) وسيأتي البحث فيها على جهة التفصيل، والمراد هنا الإشارة إلى أن (لكن) أثبتت لما بعدها ما قبلها في الإعراب فحسب لفظاً، وأمَّا في المعنى فيختلفان.
قال الشارح:" حروف العطف على قسمين:
أحدهما: ما يُشرِّك المعطوف مع المعطوف عليه مُطلقاً، أي: لفظاً وحكماً " حكماً عبر به هنا عن المعنى، وإن كان الكثير يقول: لفظاً ومعنىً، وقد يطلق الحكم كذلك على اللفظ، لكن المقصود في اللفظ أن يكون الإعراب، وفي المعنى أن يكون المعنى الثابت لما قبل الحرف، وهي الواو نحو: جاء زيدٌ وعمروٌ، وثُم نحو: جاء زيدٌ ثُم عمروٌ، والفاء: جاء زيدٌ فعمروٌ، وحتى: قدم الحجاج حتى المشاة، وأم: أزيد عندك أم عمروٌ؟ وأو نحو: جاء زيدٌ أو عمروٌ؟ هذه كلها الحروف الستة شَرَّكت ما بعدها ما قبلها في الإعراب وفي المعنى.