للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حتى: حرف عطفٍ، ويشترط للعطف بها أربعة شروط، إذا تخلف واحدٌ منها لم يجز:

الشرط الأول: كون المعطوف اسماً لا فعلاً، وهذا مذهب جمهور النحاة، إذ الأصل في (حتى) أنها حرف جر، والعاطفة منقولة عنها، (حتى) العاطفة .. حرف عطف منقولة عن الجآرة، وحرف الجر خاصٌ بالأسماء كما سبق بيانه: (بِالجَرِّ وَالْتَّنْوِينِ) إلى آخره، فبقي لـ (حتى) بعد نقلها ما كان ثابتاً لها قبل النقل وهو الاختصاص بالأسماء، إذاً: لا يعطف بـ (حتى) إلا اسمٌ، لماذا؟ لأنها لو دخلت على الفعل حينئذٍ دخلت على ما لا تختص به، لأن (حتى) العاطفة هي عينها (حتى) الجآرة، يعني: نُقلت عنها، والجآرة خاصةٌ بالأسماء فبقي لها الاختصاص بعد النقل.

وقيل لا، يعني: لا تَخْتصُّ بالاسم، نظراً لما طرأ عليها من النقل، يعني: للعطف، وقيس على غيرها من حروف العطف، يعني: حروف العطف لا تَخْتصُّ باسمٍ، وإنما هي مطلقة يعطف بها الاسم، ويعطف بها الفعل، كذلك (حتى) وإن كانت منقولة عن (حتى) الجآرة المختصة بالأسماء إلا أنها تجري مجرى أخواتها، وهي حروف العطف الأخرى، من كونها لا تَخْتصُّ بالأسماء، لكن جمهور النحاة على الأول: على أن (حتى) باقيةٌ بالاختصاص قبل النقل وبعد النقل، حينئذٍ لا يجر بها الفعل، هذا الشرط الأول.

الثاني: كونه ظاهراً، فلا يجوز: قام الناس حتى أنا، ليس بظاهر .. هذا ضمير، ولا: أكرمت القوم حتى إياك، وسبق معنا في أول حروف الجر: حتاك .. حتاه، قلنا: هذا شاذ، لا يُجر بها الضمير ولا يعطف بها الضمير، إذاً: مراعاةً لأصلها، حتاك قلنا: هذا شاذ، حتاه على أنها تجر الضمير، قلنا: هذا شاذٌ.

كذلك العطف بها، لا يعطف بها إلا الاسم الظاهر، وأمَّا الضمير فلا، حتى أنا، نقول: هذا ليس بصحيح، ولا: أكرمت القوم حتى إياك.

الشرط الثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، يعني: جزءً منه، إمَّا بالتحقيق أو بالتأويل، إمَّا محققاً تحقيقاً وإمَّا مؤولاً، إذاً: الشرط الثالث كونه: بعضاً من المعطوف عليه، إمَّا تحقيقاً نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، أكلت السمكة: فعل وفاعل ومفعولٌ به، حتى: حرف عطف، رأسَها بالنصب، لأنه معطوفٌ على ما قبله، والعاطفة تُشرِّك ما بعدها فيما قبلها في الحكم فهو منصوب، حتى رأسَها إذا نصبنا يدل على أن الرأس مأكول أو غير مأكول؟ مأكول، إذاً: هو جزءٌ حقيقةً أو لا؟ جزءٌ حقيقةً. وضابطه التحقيقي، بثلاثة أمور .. واحدٌ من ثلاثة أنواع:

- أن يكون جزءً من كلٍّ كالمثال السابق، لأن الرأس جزء من السمكة، والسمكة لفظٌ يطلق على الرأس وغيره.

- الثاني: أن يكون فرداً من جمعٍ .. واحد من جمع، مثاله: قدم الحجاج حتى المشاة، المشاة: هذا اسمٌ، وهو ظاهر وهو فردٌ واحد من جمعٍ، لأن الحجاج يشمل المشاة وغيرهم، حتى المشاةُ، إذاً نقول: هذا تحقيقي، لكونه فرداً من جمعٍ.

- الثالث: أن يكون نوعاً من جنس، أكلت التمر حتى البرني، التمر: جنس .. البرني وغيره، البرني: هذا مأكول، إذاً: هو نوعٌ من جنس.

وأمَّا التأويل: أن يكون جزءً لكنه على جهة التأويل، يعني: ليس بظاهر، لكن لا بد من تأويله، كقول القائل:

أَلقَى الصَّحِيفةَ كَي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ ... وَالزَّادَ حَتَى نَعْلَهُ أَلقَاهَا