الزَّادَ حَتَى نَعْلَهُ، نقول هنا: نَزَّل النعل مُنَزَّلة الجزء من الزاد، وإلا ليس بداخل في الأصل، لكنه ما ترك شيء، يعني: إذا ترك نعله فغيره من بابٍ أولى، (حتى نَعْلَهَ) بالنصب مفعولٌ لفعلٍ محذوف يفسره المذكور بعده، تقديره: حتى ألقى نعله. أو شبهها يعني: شبه الجزء بالبعض، كقولك: أعجبتني الجارية حتى كلامُها، هنا ليس بجزء الكلام، وإنما هو شبه جزءٍ.
نحن نقول: الشرط الثالث: كونه بعضاً من المعطوف عليه، إمَّا بالتحقيق، أو بالتأويل، أو الشبيه بالبعض، ليس بعضاً ولا جزءً، وإنما هو مُنَزَّلٌ مُنَزَّلة الجزء أو البعض، لأن الكلام ليس بجزء هو عرض: أعجبتني الجارية حتى كلامُها، ويمتنع: أعجبتني الجارية حتى ولدُها، هذا ممتنع لماذا؟ لأنه منفصلٌ وليس كالجزء، بل هو جزءٌ منفصل، حتى ولدها.
وضابط ذلك: أنه إن حسن الاستثناء حسن دخول (حتى)، يعني لو قال: أعجبتني الجارية إلا كلامُها، حسن أو لا؟ حسن، إذاً: هي شبهٌ بالبعض، وأمَّا أعجبتني الجارية إلا ولدُها، هذا ليس له دخل.
الشرط الرابع: كونه غايةً في زيادةٍ حسية أو معنوية، حسية مثل ماذا؟ فلانٌ يهب الأعداد الكثيرة حتى الألوفَ، فلان .. زيد تاجر، يهب يعطي، الأعداد الكثيرة حتى الألوفَ: هذا زيادة حتى الألوف، إذاً: الألوف غاية في زيادةٍ. أو معنوية: مات الناس حتى الأنبياءُ، يعني: الموت ما يخصص أحد دون أحد، مات الناس حتى الأنبياءُ، يعني: شمل الموت الأنبياء أيضاً، هذه زيادة، لأن الناس مراتب، الأدنى فالأدنى حتى الأنبياء.
أو في نقصٍ كذلك نحو: المؤمن يُجْزى بالحسنات حتى مثقالِ الذرة، هذا فيه نقص، مثال الذرة: قليل! ونحو: غلبك الناس حتى الصبيان والنساء.
إذاً: هذه أربعة شروط لا بد من استيفائها، نص الناظم على اثنين منها فقط:
(بَعْضَاً بحَتَّى اعْطِفْ عَلَى كلِّ) اعْطِفْ: فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب، اعطف بعضاً .. جزءً، بِحَتَّى: جار ومجرور متعلق بقوله: اعْطِفْ، وبَعْضَاً: مفعول مقدم، (عَلَى كلِّ) جار ومجرور متعلق بقوله: اعْطِفْ، إذاً:(اعطف بحتَّى بعضاً على كلٍّ) بأن يكون المعطوف جزءً من المعطوف عليه حقيقةً أو تأويلاً أو شبيهاً بالبعض، والأمثلة كما ذكرناها.
(وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ غَايَةَ الَّذِي تَلاَ) هذا الشرط الرابع: أن يكون غاية، يعني: نهاية الشيء أو آخر الشيء، (وَلاَ يَكُونُ) يكون الضمير هنا يحتمل أنه يعود على البعض أو على المعطوف: ولا يكون المعطوف إلا غايةً .. ولا يكون البعض إلا غاية، (وَلاَ يَكُونُ) أي: البعض أو المعطوف، (إِلاَّ غَايَةَ) يعني: آخر الشيء، (الَّذِي تَلاَ) يعني: المتلو، ما هو المتلو؟ المعطوف عليه، يعني: المعطوف يكون غايةً للمعطوف عليه، فإن انتفى بأن لم يكن غايةً له .. آخر الشيء، متعلقاً به على الجهات الثلاث السابقة، حينئذٍ لا يصح العطف بـ (حتى).