نداء من يُخلِّص، إذاً: هي نوعٌ من المنادى .. نوعٌ من أنواع النداء، ولكن اخْتَصَّت بوصفٍ أو حالٍ دون غيرها، لمَّا كان المنادى هنا إنما يُنادى ويستغاث به ليدفع مشقة أو يُخلِّص من شدة، إذاً: لها واقعة معينة، فلذلك اخْتَصَّت بحرفٍ واحد، واخْتَصَّت ببعض الأحكام الآتي ذكرها.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) استغيث: هذا مُغَيَّر الصيغة، و (اسْمٌ) هذا نائب فاعل، إذاً: أصله مفعولٌ به، وعليه فـ (استغاث): مُتعدٍّ يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ استعمال النحاة: المستغاث به، نقول: هذا في غير محله، إلا إذا ادُّعِي أنه يستعمل لازماً ومتعدياً .. وقد ادُّعِي، أو يُقال: إنه من باب التوسع، وإلا (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، حينئذٍ لا نحتاج إلى حرف جر، وإنما نحتاج إلى حرف جر متى؟ إذا كان الفعل لازماً، وأمَّا إذا كان مُتعدِّياً بنفسه فلا.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) إذاً: دَلَّ على أن (استغاث) يَتَعدَّى بنفسه، والنحاة يقولون: مستغاثٌ به، قال تعالى:((إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)) [الأنفال:٩] انتهينا! يعني: ربكم: هذا مفعولٌ به، فدل على أن الاستغاثة تتعدى بنفسها.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: إذا نؤدِي ليُخَلِّص من شدةٍ أو يعين على مشقةٍ، (اسْمٌ مُنَادىً)، اسْمٌ قلنا: نائب فاعل، و (مُنَادىً) نعته، اسمٌ: هذا شامل للمضاف وشبه المضاف، يعني: يكون مفرداً، ويكون مضافاً، ويكون شبيهاً بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة، فهذه وقع تردد فيها عند الشاطبي وغيره، هل مما يصلح أن يستغاث به أو لا؟ لأن الأصل هنا الإقبال .. الإقبال على المستغاث به، فحينئذٍ كيف يكون نكرة غير مقصودة؟ هذا محل تردد.
إذاً:(إذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) هذا قد يكون مفرداً، وأطلق الاسم فيشمل المضاف والشبيه بالمضاف، وأمَّا النكرة غير المقصودة فهي محل نظر، وإيقاع الاستغاثة هنا على الاسم على جهة التأويل، لأنك لا تستغيث بالاسم: يا زيد، إنما تستغيث بمسمى زيد .. بمدلول اللفظ، والحقيقة إنما تكون .. الذي يرفع ويدفع هو المسمى وليس باللفظ، حينئذٍ (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) نقول: هنا على جهة التأويل.
إيقاع الاستغاثة على الاسم، أي: على اللفظ، اصطلاحي، يعني: شأنه اصطلاحٌ عند النحاة، فإن المستغاث حقيقةً المعنى، أي: مدلول اللفظ، أو نقول: التقدير مدلول اسمٍ .. (إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ) يعني: مدلول اسمٍ، وهذا حسن أيضاً.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) هذا فيه فائدة: وهو أن المستغاث لا يكون إلا منادى، لأنه قد يرد أنه ذكر المنادى ثم أتبعه بفصول المنادى، وهذه عادة النحاة، يبدؤون بالمنادى ثم تأتي الفصول متتابعة، والاستغاثة نوعٌ منها، ولذلك سبق: غير مندوب ومستغاث، فاستثنى المستغاث فدل على أنه نوعٌ من أنواع المنادى، إذاً: هنا تأكيد إلى أن الاستغاثة من باب النداء.
(إِذَا اسْتُغِيثَ اسْمٌ مُنَادىً) منادىً: هذا نعت لاسم، فائدته: التنبيه على أن المستغاث اصطلاحاً لا يكون إلا منادىً.