إذاً قيل: إنه مَعدُول عمَّا كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المُذكَّر مُطلقاً، سواءً كان الموصوف مُذكَّراً أو مؤنَّثاً، مَجموعاً أو مُثنَّى، فيلتزم الإفراد والتذكير.
ما للواحد المُذكَّر بدون تَغيُّر معناه، وذلك أن (آخَرَ) من باب أفعل التفضيل، فحقه ألا يُثنَّى ولا يُجمَع ولا يؤنَّث، إلا مع الألف واللام أو الإضافة، إذا كان مُجرَّداً فَحقُه إلا يُجمع ولا يُثنَّى، ولا يُؤنَّث، إلا إذا كان مُحلاً بـ:(أل) أو مضافاً، وهنا:(آخَرَ) هذا غير مُحلاً بـ: (أل) وغير مُضاف، الأصل فيه أنه يَلتزِم الإفراد والتذكير، فعُدِل في تَجرُّده منهما واستعمَاله لغير الواحد المُذكَّر عن لفظ (آخَر) إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث، بحسب ما يُراد به من المعنى، فقيل: عِندي رجلان آخَرَان، ورجال آخَرُون، وامرأة أخرى، ونساء أخر.
حينئذٍ كل هذه مَعدُولة، وكان القياس أن يُمنع من الصرف الجمع، لكن تَعذَّر في (آخَرَان) و (آخرُون) لأننا نَبحَث عن نيابة حَركةٍ عن حركة، و (آخران) هذا مرفوع بالألف، إذاً: لا دَخل له في باب المَنع من الصرف، و (آخرُون) كذلك لا دخل له في المنع من الصرف، بقي (أُخرَى) فيها ألف التأنيث، وقلنا: إذا وجِدَ عِلَّة غير العَدل فهي مُقدَّمة على العَدل، إذاً: ألف التأنيث تكفي فيها، لم يبق معنا إلا هذا اللفظ.
ونساء أخر، فكل من هذه الأمثلة صفة مَعدُولة عن:(آخَر)، إلا أنَّه لم يَظهَر أثَر الوصفية والعَدل إلا في (أُخَر) فقط، لماذا؟ لأنه مُعرَب بالحركات، بِخلاف (آخران) و (آخرون) وليس فيه ما يَمنع من الصرف غيرُهما، بِخلاف (أخرَى) فإن فيها أيضاً ألف التأنيث، فلذلك خُصَّ (أُخَر) بنسبة اجتماع الوصفية والعَدل إليه، ومنعه من الصرف.
حينئذٍ نقول: العِلَّة هنا ليست العِلَّة التي عند الجمهور، عند الجمهور كون (أُخَر) مَعدُولاً عن (الأُخَر) وهذا واضح بَيِّن، وعلى رأي ابن مالك: أن التحقيق أنه عُدِل به عن المفرد واستُعمِل جمعاً، حينئذٍ (أُخَرَ): بِنساء أُخَرَ .. ((فَعِدَّةٌ مِن أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:١٨٤] الأصل أن يقول: (آخَرَ) فعُدِل به إلى الجمع، فالأصل فيه أن يُستَعمل مُفرداً مُذكَّراً، فعدل به إلى الجمع، فهذا محل منع الصرف.
هنا قال السيوطي في (همع الهوامع): " (أُخَر) جمع: أخرى، تأنيث (آخَر) بالفتح المجموع على (آخرين)، أمَّا كونه صفة فَلِكَونه من باب أفعل التفضيل، تقول: مررت بزيدٍ ورجلٍ آخر، أي: أنَّه أحَق بالتأخير من زيدٍ في الذكر، لأن الأول قد اعتُني به في التَقدُّم في الذكر، وأمَّا عَدله فقال أكثر النحويين إنه مَعدُولٌ عن الألف واللام، لأن الأصل في أفعل التفضيل ألا يُجمع إلا مَقروناً بهما كـ:(الكُبَر والصُغَر) - ولذلك يُغلِّطُون العَرُوضِيين: فاصلةٌ صُغرى، وفاصلةٌ كبرى - فعُدِل عن أصله وأُعطِي من الجمعية مُجرَّدَا ما لا يُعطي غيره إلا مَقروناً " على ما سَبق.