وقال ابن مالك هنا – هذا القول الآخر -: " التحقيق أنه مَعدُولٌ عن (أُخَرَ) مراداً به جمع المؤنَّث، لأن الأصل في أفعل التفضيل: أن يُستَغنى فيه بـ: (أفعَل) عن (فُعَل) " يعني: نأتي بـ: (أفعَل) مُجرَّداً مُفرداً مُذكَّراً عن (فُعَل) الذي هو جَمع المؤنَّث، حينئذٍ لمَّا استُعمِل (فُعَل) محل (أفعَل) صار عدلاً، وهذا واضحٌ بَيِّن.
أن يُستغنى فيه بـ: (أفعَل) تفضيل عن (فُعَل) لتَجرُّده عن الألف واللام والإضافة، كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع نسوة أكبَر منها، هكذا تقول، ولا تقول: (كُبَر) بالجمع، وإنما تأتي بالمفرد مُذكَّراً: أكَبَر منها.
كما يستغنى بـ: (أكبَر) عن (كُبَر) في نحو: رأيتها مع نسوة أكبَر منها، فلا يُثنَّى ولا يُجمع، لكونهم أوقعوا (أفعَل) موقع (فُعَل) فكان ذلك عَدلاً من مثالٍ إلى مثال، كأن العدل هنا حَصَل في استعمالٍ عن استعمال، استُعمِل (أُخَرَ .. فُعَل) مَحلَّ (أفعَل) فصار عَدلاً، وكما ترى أنها فيها نوع تَكَّلُف.
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ ... فِي لَفْظٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَأُخَرْ
إذاً: عَرفنَا أن العَدل مع الوصفية يقع في بابين:
- اسم العَدَد والصفات، نحو: (أُخَرْ)، والمنع في: (مَثْنَى وَثُلاَثَ) للوصفية، وهذا شأنه واضح، وفي العَدل كونه معدولاً عن: اثنين اثنين، أو ثلاث ثلاث، إلى ما ذكرناه وهو مسموعٌ من واحد إلى عشرة على الصحيح، وإنَّمَا نَصَّ الناظم هنا على أنه مسموعٌ من واحد إلى أربعة، بل لم يذكر واحد هنا (فِي لَفْظِ مَثْنَى وَثُلاَثَ) استدرك فذكر: (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) إذاً: (مِنْ وَاحِدٍ لأَرْبَعٍ) نقول: هذا مسموعٌ باتفاق، وما عداه ففيه خلاف، والصواب: أنه مسموعٌ كذلك.
قال الشارح هنا: " مما يمنع صرف الاسم العدل والصفة، وذلك في أسماء العدد المبنية على (فُعَال) و (مَفعَل) كـ: (ثَلَاث ومثلث) فـ: (ثُلَاث) مَعدُولة عن: ثلاثة ثلاثة، و (مَثنَى) مَعدولةٌ عن اثنين اثنين، فتقول: جاء القوم ثُلَاثَ، يعني: دخلوا ثلاثة ثلاثة، ومَثنَى أي: اثنين اثنين، وسُمِع استعمال هذين الوزنين: (فُعَال) و (مَفعَل) من واحد واثنين وثلاثة وأربعة، وسُمِع أيضاً في خمسة وعشرة، خُماس ومَخمس، وعُشَار ومَعشر.
وزَعَم بعضهم أنه سُمِع أيضاً في ستة وسبعة وثمانية وتسعة، نحو: سُدَاس ومَسدَس، وسُبَاع ومَسبع، وثُمَان ومَثمن، وتُسَاع ومَتسع، وهو الصحيح.
ومما يُمنع من الصرف للعَدل والصفة (أُخَر) التي في قولك: مررت بِنسوة أُخَرَ، وهذا مَعدُولٌ عن (الآخَر) محلاً بـ: (أل) وعلى رأي ابن مالك: مَعدُولٌ عن (آخَرَ) يعني: بدون (أل)، إذاً: (أُخَر) جمع (أخرى) و (أخرَى) أنثى (آخَر) والقاعدة: أن كل (فُعلَى) مؤنَّثة (أفعَل) لا تُستَعمل هي ولا جمعها إلا بالألف واللام أو الإضافة، كـ: (الكبرى والصغرى، والكُبَر والصُغَر) ((إِنَّهَا لَإِحدَى الكُبَرِ)) [المدثر:٣٥].
وتَلخَصَّ من كلام المصنف: أن الصفة تَمنع -يعني: الصرف- مع الألف والنون على ما سبق هناك:
- (وَزَائِدَا فَعْلاَنَ) الألف والنون الزائدتين.
- ومع وزن الفعل.
- ومع العّدل.