للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومثل: سَحَر أَمْسِ، مُراداً به: اليوم الَّذي يليه يومك، ولذلك قال بعضهم: هذه الكلمة الوحيدة التي إذا عُرِّفَتْ نُكِّرَتْ، وإذا نُكِّرَتْ عُرِّفَتْ، إذا قيل: جِئْتُ بالأمس، فمراده ليس اليوم الذي قبل يومك -أمس- .. قبل أسبوع .. قبل شهر .. قبل عام، وإذا أردت به اليوم الذي قبل يومك مثلاً: اليوم نحن الأحد أردت به السَّبت تقول: (جئتك أمس) تُنَكِّره فصار معرفة، وهذا تستعمله توريةً (مَرَرْتُ بِكَ بالأمس) هو يظن أنَّه أمس وأنت تريد به قبل أسبوع أو قبل شهرٍ مثلاً، الَّذي عنده لسان العرب التورية تكون عنده سهلة.

ولذلك بعض الفقهاء يكره التورية لأنَّه لا يحسنها بل بعضهم يُحَرِّمُها، وهذا بالفعل موجود من اعتادها ولم يكن ذا ذهنٍ ثاقب وعنده مثل هذه الكلمات والأدوات يقع في الكذب وقد يصير الكذب في لسانه من حيث لا يشعر، لأنَّه كل كلمة يوردها هو يظن أنها تورية وهي كذب صريح أحياناً وهو يظن أنها تورية، لكن لو عرف مثل هذه الأشياء (أمس والأمس) ومثلها (نسيت)، (نسيت) يأتي في اللغة بمعنى التَّرك فإذا نوى (نسيت الشيء) مررت؟ لا، نسيتك يعني: تركتك، تنوي أنَّه بمعنى التَّرك وهذا طيب، الإنسان قد يحتاج مثل هذه العبارات، ((نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)) [التوبة:٦٧] النسيان هنا بمعنى التَّرك، حينئذٍ يرد النسيان في لسان العرب لهذا المعنى، فإذا أردت أن تورِّي تقول (نسيتك يعني: تَرَكْتُك) ولا تنوي النسيان الَّذي هو خلاف الحفظ.

ومثل (سَحَر .. أَمْس) مراداً به اليومُ الَّذي يليه يومُك ولم يُضَف ولم يعرَّف بـ (أل) يعني: لم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً وله خمسة شروط:

بِخَمْسِ شُرُوطٍ فَابْنِ أَمْسِ بِكَسْرَةٍ ... إِذَا مَا خَلَى مِنْ أَلْ وَلَمْ يَكُ صُغِّرَا

وَثَالِثُهَا التَّعْيِينُ فَاعْلَمْهُ يَا فَتَى ... وَلَيْسَ مُضَافَاً ثُمَّ جَمْعَاً مُكَسَّرَا

بهذه الخمسة الشُّروط حينئذٍ يكون مبنيَّاً لأنَّه معدولٌ عن الأمس، لكن فيه لغة أنَّه يمنع من الصَّرف.

ولم يُضَف ولم يُقْرَن بـ (أل) ولم يقع ظرفاً فإن بعض بَني تَمْيِم تَمْنَع صرفه مطلقاً، يكون معرباً ثُمَّ من أيِّ النَّوعيين يكون ممنوعاً من الصَّرف مطلقاً رفعاً ونصباً وجرَّاً، لأنه مَعْدُولٌ عن الأمْسِ كقول الشاعر:

لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَباً مُذْ أَمْسَا ..

(مُذْ) حرف جر (أَمْسَا) هنا جرَّه بالفتحة فدل على أنَّه ممنوعٌ من الصَّرف عنده، والعلَّة العدل والعلميَّة، العدل لأنَّه معدولٌ عن (الأمس) مثل (السَّحَر) ما قيل هناك يقال هنا، والعلميَّة لأنَّه أريد به زمنٌ معيَّن اليوم الَّذي قبل يومك، وجمهورهم يخصُّ ذلك بحالة الرفع يعني: يكون ممنوعاً من الصَّرف في الرفع فقط (جَاءَ أمْسُ) فقط في الرفع .. يمنع من التَّنوين، وما عداه يكون مبنيَّاً:

اعْتَصِمْ بِالرَّجَاءِ إنْ عَنَّ بَاسُ ... وَتَنَاسَ الَّذِي تَضَّمنَ أَمْسُ

أَمْسُ هنا لم يُنَوِّنْه.