للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لكن هنا لَمَّا اسْتُعْمِل (البطن) مُراداً به القبيلة والقبيلة مؤنَّث، حينئذٍ راعى المعنى، متى؟ إذا غَلَب الاستعمال، وهذا عند من يعرف إذا أُطْلِق (البطن) المراد به: القبيلة. فـ (البطن) مُذكَّر بحسب اللفظ ولكن راعى فيه المعنى وهو: القبيلة.

والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، جمع نفسٍ و (النَّفس) مؤنَّث: ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)) [الشمس:٧] ولم يقل: ما سواه، إذاً: أعاد إليه الضمير بالمؤنَّث، نحن نقول: ثلاثة أنفس، صحيح أو لا؟ ليس بصحيح، ثلاث أنفس، لأنَّ (أنفس) جمع نفس وهو مؤنَّث، حينئذٍ القاعدة: التَّذكير (فِي الضِّدِّ جَرِّدْ) جرِّده من التاء إذا كان مُؤنَّثاً .. إذا كان (فِي عَدِّ مَا آحَادُهُ) مؤنَّث حينئذٍ تُجرِّد العدد من التاء فتقول: ثلاث أنفس، لكن النَّفس يُطْلَق ويُراد به: الإنسان كثيراً، حينئذٍ إذا روعي هذا المعنى صحَّ اتَّصاله بالتاء.

والثاني كقوله: ثلاثة أنفس، وثلاث ذودٍ، فإنَّ (النَّفس) كثيراً ما يُستعمل مقصوداً به: الإنسان والإنسان هذا مذكَّر، والقياس: ثلاث أنفس، لأنَّ (النَّفس) مؤنَّثة فراعى المعنى وهو مُذكَّر لكثرة استعمال (النَّفس) في الإنسان، وكذلك (الذَّود) من الإبل من الثلاثة إلى العشرة وهو مؤنَّث لا واحد له من لفظه.

إذاً القاعدة: أنَّه يُراعى الواحد، فإن كان اللفظ نفسه مذكَّراً أُنِّثَ العدد، وإن كان مؤنَّثاً ذُكِّر العدد، ولو كان مَصْدَق، يعني: ما يقع عليه ذلك اللفظ مؤنَّثاً أو مُذكَّراً، قد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث اللفظ المُذكَّر فيؤنَّث العدد، وقد يُراعى في بعض الأحوال مؤنَّث العدد فيُراعى حينئذٍ.

إذاً: ننظر إلى اللفظ .. الاسم الواحد: إن كان لفظه مؤنَّثاً ذَكَّرنا العدد ولو كان مَصْدَقُه مُذكَّراً، وقد يُراعى هذا المعنى حينئذٍ يؤنَّث العدد، وننظر إلى اللفظ نفسه فإن كان مؤنَّثاً من حيث هو اللفظ مثل (عين ونفس) من حيث هو، حينئذٍ نُجرِّد الاسم العدد من التَّاء ولو كان مصدقه مذكَّراً، إن راعينا ذلك المعنى الذي يَصدُق عليه الواحد حينئذٍ جاز لنا التأنيث.

وإن كان صفةً فبموصوفها المنوي لا بها، ولذلك جاء قوله تعالى: ((فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)) [الأنعام:١٦٠] (عَشْرُ أَمْثَال) جمع (مثل) وهو مُذكَّر، وقلنا: العشرة مِثل الثلاثة عند عدم التركيب فتخالف القياس، تُذكَّر مع المؤنَّث، وتؤنَّث مع المذكَّر.

وهنا المِثْل الذي هو واحد الأمثال مُذكَّر وقال (عَشْرُ) والقياس أن يقول: (عشرة أمثالها) لم قال هنا: (عَشْرُ) بالتذكير مع كون (مَا آحَادُهُ) هنا مذكَّر؟ لأنَّ (أَمْثَال) ليس هو المعدود، وإنَّما هو صفةٌ لموصوفٍ محذوف فروعي في العدد من جهة المعنى، والأصل: عشر حسناتٍ أمثالها.

حينئذٍ روعي الموصوف المحذوف المنوي، ولذلك قاعدة العرب: أن الأصل إذا حُذِف الشيء قد يكون مُراعىً منوياً وقد يُحذف ولا يراعى بأن يصير نسياً منسياً، إذا صار منوياً حينئذٍ يُلاحظ في القواعد، وهذا واضح بَيِّن هنا.