جمع التكسير نوعان: جمع قلَّة، وجمع كثرة، والمشهور عند النُّحاة ومن وافقهم من الأصوليين أنَّ مدلول جمع القِلَّة بطريق الحقيقة: ثلاثةٌ إلى عشرة، يعني: يبدأ من الثلاثة وهذا أقل الجمع، سواءٌ كان جمع قلَّة أو غيره مبدؤه من الثلاثة، لكن المشهور عند النُّحاة أنَّ جمع القلَّة يدلُّ بطريق الحقيقة لا المجاز: ثلاثة إلى عشرة، ومدلول جمع الكثرة بطريق الحقيقة: ما فوق العشرة إلى ما لا نهاية، حينئذٍ أقلُّ جمع الكثرة: أحد عشر، وأكثر جمع القِلَّة: عشرة، وأقل جمع القِلَّة: ثلاثة، وعليه الخلاف في أقل الجمع يُحمل على ماذا .. في أي أنواع الجمع؟ على جموع القِلَّة، سواءٌ كانت هذه الأوزان الأربعة أو جمع التصحيح .. جمع المؤنَّث السَّالم أو الجمع بواوٍ ونون، لأنَّها تدلُّ على القِلَّة.
حينئذٍ يكون مدلول الجمع .. أقلُّه مِمَّا وقع فيه نزاع هو: جمع القلَّة، سواءٌ كان جمع تكسير أو غيره.
وَيُسْتَعمل كُلٌّ منهما موضع الآخر مجازاً، يعني: جمع القِلَّة يستعمل في ما دلَّ عليه جمع الكثرة، والعكس بالعكس، كُلٌّ منهما يُستعمل محل الآخر، لكن هذا بشرط: إن كان للمفرد الجمعان، يعني: إذا سُمِع للمفرد الواحد جمع قِلَّة وجمع كثرة، حينئذٍ إذا اسْتُعمل جمع قِلَّته في كثرته قلنا: هذا مجاز، وإذا اسْتُعمل جمع كثرته في قِلَّته قلنا: هذا مجاز، وأمَّا إذا لم يُسْمَع إلا جمع قِلَّة له أو جمع كثرة فليس من قبيل المجاز .. ليس فيه تَجَوُّز، وإنَّما هو من باب الحقيقة.
إذاً: يُستعمل كُلٌّ منهما موضع الآخر مَجازاً بشرط: إن كان للمفرد الجمعان، أمَّا إذا لم يكن له إلا جمع قِلَّة أو جمع كثرة، حينئذٍ لا نقول: بأنَّه مجاز، لأنَّه حينئذٍ من قبيل المشترك، هذا قول: بأنَّ أقل الجمع في القلَّة ثلاثة، وأقصاه عشرة، وجمع الكثرة أقَلَّه أحد عشر، وأقصاه ما لا نهاية.
وهناك قول آخر: أنَّ الفرق بينهما من جهة النهاية لا من جهة المبدأ، وعليه تكون النيابة من جانب القِلَّة عن الكثرة لا العكس، من جانب المبدأ، يعني: جمع القلَّة وجمع الكثرة كُلٌّ منهما يشتركان في المبدأ وهو: ثلاثة، إذاً: أقل جمع القِلَّة ثلاثة، وأقل جمع الكثرة ثلاثة، وأقصى جمع القِلَّة عشرة، وجمع الكثرة ما لا نهاية، إذاً: يبدآن معاً .. جمع القلَّة والكثرة يبدءان بثلاثة ثُمَّ يسيران: أربعة .. خمسة .. ستة .. سبعة .. ثمانية .. تسعة .. عشرة، يقف جمع القِلَّة، ثُمَّ يسير جمع الكثرة.
إذاً: اتفقا في المبدأ واختلفا في المنتهى، وهذا هو المرجَّح .. هذا هو الصواب، وعليه إذا قال: عَليَّ لِزَيدٍ دَرَاهم، كم نعطيه؟ ما بيَّن، لو قال: لزيدٍ عليَّ عشر دراهم، انتهينا .. حدَّد، لكن لو قال: دراهم وسكت .. مات مباشرة، من يخبرنا؟ قال: لزيدٍ عليَّ دارهم، وهذه تركة، كم نعطي زيد؟
على القول الأول: نعطي زيداً أحد عشر درهماً، وعلى القول الثاني: ثلاثة، لو كان صاحب الحق له قال: الراجح الأول، وإذا كان لغيره قال: الصحيح الثاني!