والصواب كما ذكرنا: أنَّهما يشتركان في المبدأ، وأمَّا هذا لا دليل عليه، لأنَّ المسألة لغويةٌ بحتة، وأقل الجمع: ثلاثة، العرب فرَّقت بين الواحد والاثنين والجمع، فقالت: دِرهم ودرهمان ودراهم، واحد درهم، درهمان: اثنان، دراهم: أقله ثلاثة، فمن أين يُقال بأنَّه أحد عشر؟!
إذاً: على القول الثاني .. أنَّ الفرق بينهما من جهة النهاية لا من جهة المبدأ، تكون النيابة من جانب القِلَّة عن الكثرة لا العكس، على القول الأول: كُلٌّ منهما إذا سُمِع الجمعان القِلَّة والكثرة للمفرد الواحد قلنا هذا مجاز، إذا استعمل جمع القِلَّة مراداً به الكثرة مجاز، أو الكثرة فيما سُمِع فيه جمع القِلَّة قلنا مجاز، هذا لا إشكال فيه.
وعلى القول الثاني، حينئذٍ أيُّهما يُستعمل مجازاً في الآخر دون الآخر؟ إذا اسْتُعمل جمع الكثرة في الثلاثة هل هذا مجاز؟ ليس مجازاً، لكن لو اسْتُعمل جمع القلَّة في الأحد عشر أو العشرين نقول هذا مجاز، إذاً: لا يمكن أن يُتجوَّز في استعمال جمع الكثرة مراداً به القِلَّة لأنَّه موافقٌ؛ لأنَّ كُلَّ جمع كثرة جمع قِلَّة ولا عكس فهو أعم، فإذا استعمل في القِلَّة قلنا هذا حقيقةً وليس من المجاز، لكن لو استعمل جمع القِلَّة من الثلاثة إلى العشرة فيما أُريد به العشرون مثلاً نقول هذا من قبيل المجاز.
(أَفْعِلَةٌ) وما عُطِف عليه (جُمُوعُ قِلَّهْ) وهي أربعة، (أَفْعِلَة) كـ: (أسلحة)، و (أَفْعُل) كـ: (أَفْلُسْ) و (فِعْلَهْ) كـ: (فتية)، و (أَفْعَال) كـ: (أفراس) هذه جموع قلة على الصواب لا خامس لها من حيث جمع التكسير، وكلها قياسية إلا (فِعْلَهْ) فهو سماعي، (أَفْعِلَة) هذا قياسي كما سيأتي، و (أَفْعُلُ) قياسي، ثُمَّ (فِعْلَهْ) هذا سماعي، و (أَفْعَالٌ) قياسي.
إذاً:(فِعْلَهْ) سماعي وغيره قياسي، (سماعي) يعني: لا ينضبط .. ليس له قاعدة، وإنَّما تُحفظ ألفاظ جاءت على هذا الوزن.
إذاً: جموع القلة أربعة أوزان لا غير على الصحيح، هل دلالة هذه الألفاظ .. الأوزان الأربعة على القِلَّة يشاركها فيها غيرها، أم أنَّها خاصةٌ بهذه الألفاظ؟ المشهور عند النُّحاة: أنَّ مدلول جمعي التصحيح قِلَّة فـ: مسلمون ومسلمات، يدلُّ على القِلَّة: عندي مسلمون .. عندي زيدون، حينئذٍ هذا يدلُّ على القِلَّة من الثلاث إلى العشرة، ولا يدل على زيادةٍ على ذلك، كذلك (مسلمات) جاء مسلمات، حينئذٍ نقول: هذا يدلُّ على القِلَّة ولا يدلُّ على الكثرة.
إذاً: يُشارك هذه الأبنية في الدَّلالة على القِلَّة جمعا التصحيح، فيكون استعمالها في القِلَّة حقيقياً وفي الكثرة مجازاً، إذا اسْتُعمل (مسلمون) مراداً به ما فوق العشرة صار مجازاً، وإذا اسْتُعمل (مسلمات) فيما فوق العشرة صار مجازاً، لأنَّ مدلوله في لسان العرب هو القِلَّة.