إذاً هذه خمسة مواضع ذكرها الناظم رحمه الله تعالى في وجوب تأخير الخبر، وهي المشهورة، ويزاد عليها أن يكون المبتدأ هو مذ أو منذ، مذ ومنذ كما سيأتينا في باب حروف الجر أنها قد تكون مبتدأ لها اعتباران: تكون حرف، وتكون مبتدأ، وإذا كانت مبتدأ اختلف في إعرابها، لكن إذا كانت اسماً تكون حرفاً وتكون اسماً، وإذا كانت اسماً اختلف في إعرابها على الوجه بكونها مبتدأ لا يجوز تقديم خبرها عليها، ما رأيته مذ يومان، مذ مبتدأ ويومان خبر، لا يصح أن يقال: يومان مذ، التركيب هذا خلل.
الثاني: أن يكون المبتدأ ضمير المتكلم أو المخاطب مخبراً عنه بالذي وفروعه، أنا الذي عرفوني، الذي عرفوني لا يصلح أن يتقدم على أنا، أنت الذي تدعي ما لا تحسنه، أنت الذي لا يصلح أن يتقدم الذي على أنت.
ثالثاً: أن يكون الخبر طلباً، قلنا يصح على الصحيح أن تكون جملة الخبر طلبية، زيد اضربه، لكن إذا كانت جملة هل هي مثل: زيد قام أبوه؟ زيد قام أبوه يجوز التقديم والتأخير، قام أبوه زيد، زيد قام أبوه، لكن زيد اضربه لا يصح أن يقال: اضربه زيد، وكذلك زيد هلا ضربته.
رابعاً: أن يكون المبتدأ دعاءً: سلام عليكم، عليكم سلام .. لا يصح، ويل لكم.
خامساً: أن يكون الخبر متعدداً وهو في قوة الخبر الواحد، الرُّمَّانُ حُلْوٌ حَامِضٌ، الرمان مبتدأ، وحلو حامض هذان خبران تعدد الخبر، وَأَخْبَرُوا بِاثْنَيْنِ أَوْ بِأَكْثَرَا عَنْ وَاحِدٍ كما سيأتي، إذاً الرمان حلو، حُلْوٌ بضم الحاء وإسكان اللام ولا يجوز كسرها، كسرها لحن، حِلوٌ نقول: هذا لحن وإنما هو حُلْو بضم الحاء وإسكان اللام، في هذه الحالة نقول: لا يجوز تقديم الخبر، فلا يقال: حُلو، حامض الرمان.
سادساً: أن يقع بين المبتدئ والخبر ضمير الفصل، زيد هو المنطلق، هذا في قوة {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} مثلما سبق؛ لأنه من أنواع الحصر، زيد هو المنطلق، المنطلق هو زيد اختلف المعنى .. فرق بينهما، إذاً: أن يقع بين المبتدأ والخبر ضمير الفصل لا يجوز تقديم الخبر على المبتدأ.
سابعاً: أن يكون الخبر مقترناً بالباء الزائدة، ما زيد بقائم على لغة الإهمال، لا يصح أن يقال: ما بقائم زيد.
ثامناً: أن يقترن الخبر بالفاء الذي يأتيني فله درهم، ذكرناه؛ لأن الفاء دخلت لشبهه بالجزاء –الشرط- والجزاء لا يتقدم على الشرط.
تاسعاً: أن يكون المبتدأ بعد أما، أما زيد فعالم، الفاء هذه لا تلي أما، لا يجوز أن تكون واقعة وتالية لأما، لو قدمت الخبر قلت: أما فعالم زيد، لا يصح هذا، إذاً يجب أن يتأخر الخبر إذا اقترن بفاء بعد أما، أما زيد فعالم، هنا يجب تأخير الخبر؛ لأن الفاء لا تلي أما البتة.
ثم قال رحمه الله:
وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ
هذا شروع منه في الحالة الثالثة للخبر، وهي وجوب التقديم، أخذنا جواز الأمرين_الحالة الأولى-، الثانية: وجوب التأخير، وهذا وافق الأصل من حيث كونه متأخراً في اللفظ مخالفاً له من حيث الوجوب؛ لأن الأصل هو الجواز، هنا خالف من الجهتين، تقدم في اللفظ ثم هو واجب، لا يجوز تأخيره، هذا خرج عن الأصل بالكلية كالمبني، والثاني كالممنوع من الصرف.