للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهي وجوب التقديم وثلَّث به لمخالفته الأصل من كل وجه.

وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: وَنَحْوُ هذا مبتدأ.

قوله: مُلْتَزَمٌ فِيهِ، يعني يجب، الالتزام، والحتم، واللزوم، والوجوب .. هذه كلها مترادفة من حيث المعنى، يعني تحمل على الإيجاب.

وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: عِنْدِي نقول: هذا ظرف وهو خبر مقدم.

ودِرْهَمٌ: هذا مبتدأ مؤخر، لِيَ وَطَرْ: يعني حاجة، لي جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم.

وَطَرٌ: هذا مبتدأ مؤخر.

ما حكم تقدم الخبر هنا على المبتدئ؟ نقول: الوجوب، لماذا؟ لأنه المسوغ للابتداء بالنكرة، لا مسوغ للابتداء بالنكرة هنا إلا تقدم الخبر وهو الظرف والجار والمجرور.

وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ: مثل بمثالين للظرف وللجار والمجرور.

مُلْتَزَمٌ: هذا خبر المبتدئ نَحْوُ.

مُلْتَزَمٌ فِيهِ: فِيهِ في هذا التركيب السابق، مُلْتَزَمٌ تَقَدُّمُ هذا نائب فاعل، تَقَدُّمُ الْخَبَرْ: تَقَدُّمُ مضاف، والْخَبَرْ مضاف إليه.

إذاً التزم هنا تقديم الخبر على المبتدأ؛ لأن المبتدأ نكرة، ولا مسوغ للابتداء بالنكرة إلا تقدم الخبر.

وهذا سبق معنا هناك:

وَلاَ يَجُوزُ الاِبْتِدَا بِالنَّكِرَهْ ... مَا لَمْ تُفِدْ كَعِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ

هل هذا تكرار؟ لا، هنا أفاد الوجوب على ما ذهب سابقاً، هناك أفاد بجواز تقديم أن يبتدأ بالنكرة؛ فالكلام على النكرة، عِنْدَ زَيْدٍ نَمِرَهْ هذا التركيب صحيح؛ لأنه مفيد، لكن ما نوع التقديم هناك، هل هو جائز أو واجب؟ بهذا البيت أفاد أنه واجب وليس بجائز.

إذاً: مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ: لماذا؟ لأنه المسوغ للابتداء بالنكرة، ورفعاً لإيهام كونه نعتاً في مقام الاحتمال؛ لأنه لو تأخر الظرف والجار والمجرور بعد النكرات يحتمل أنهما صفات، هذا الأصل، نحن نقول الجمل بعد النكرات صفات وبعد المعارف أحوال في الغالب، إذاً رفعاً لإيهام كونه نعتاً في مقام الاحتمال؛ إذ لو قلت: درهم عندي، احتمل أن يكون نعتاً للنكرة؛ لأنه نكرة محضة، واحتمل أن يكون خبراً، يحتمل هذا ويحتمل ذاك.

وحاجة النكرة إلى التخصيص أشد افتقاراً من حاجة المبتدأ إلى الخبر؛ لأنه إذا قيل: عندي درهم، درهم عندي، نقول: درهم هذا إذا جعلناه نكرة هو نكرة، وإذا أعربناه مبتدأ هو مبتدأ .. إذاً النكرة تحتاج إلى مخصص، والمبتدأ يحتاج إلى خبر، أيهما أشد احتياجاً؟ احتياج النكرة إلى الصفة أشد من احتياج المبتدأ للخبر، حينئذ نقدم إعرابه صفة، فإذا جاء في التركيب هكذا: درهم عندي نعرف عندي متعلق بمحذوف صفة للنكرة، أين الخبر؟ ليس له خبر.

حينئذ دفعاً لهذا الإيهام وجب تقديم الخبر على المبتدئ.

إذاً لو أخرناه لاحتمل أنه إما أن يكون خبراً وإما أن يكون صفة، خبر من جهة كونه مبتدأ، وصفة من جهة كونه نكرة، وافتقار النكرة إلى الصفة أشد من افتقار المبتدأ إلى الخبر.