للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحاجة النكرة إلى التخصيص ليفيد الإخبار عنها فائدة يعتد بمثلها آكد من حاجتها إلى الخبر، ولهذا لو كانت النكرة مختصة جاز تقديمها نحو: ((أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)) [الأنعام:٢] أَجَلٌ هذا مبتدأ، ومُسَمًّى صفته، عِنْدَهُ هل هذا مثل: عندي درهم؟ الجواب: لا، لماذا؟ لوجود التخصيص، لما لم يوجد للنكرة مسوغ للابتداء بها إلا الظرف تقديمه أو الجار والمجرور تعين، لو وجد غيره حينئذ نقول: لا يجب، رجل ظريف عندي، رجل مبتدأ، وظريف صفته، وعندي هذا خبر، هل يجب تقديم الخبر على المبتدأ لكونه نكرة؟ لا، لماذا؟ لوجود مخصص، وهذا المخصص أفاد، فجوز الابتداء بالنكرة.

وَنَحْوُ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَلِيَ وَطَرْ ... مُلْتَزَمٌ فِيهِ تَقَدُّمُ الْخَبَرْ

إذاً الحالة الأولى التي يجب فيها تقدم الخبر: أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر، والخبر ظرف أو جار ومجرور.

وعبَّر في التوضيح عن هذه المسألة: أن يوقع تأخيره -تأخير الخبر- في لبس ظاهر، ودائماً قاعدة العرب: دفع الإلباس والالتباس، والإيهام والتوهم .. كل ما أدى إلى التوهم واللبس والإلباس فهو ممنوع مطلقاً في باب النحو كله من أوله إلى آخره.

أن يوقع تأخيره في لبس ظاهر: في الدار رجل، فلو أُخِّر لالتبس الخبر بالصفة، ومنه: عندي أنك فاضل، هل يجب التقديم هنا؟ نعم، لأنك لو قلت: أنك فاضل عندي، التبست أن بإن؛ لأنه في أول الكلام، أنك فاضل، نقول: أنك فاضل أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر، فهو في قوة المفرد، حينئذ لو قدمناه لاحتمل أن يكون في قوة الجملة فرق بين المسألتين.

حينئذ يتعين نقول: عندي أنك فاضل، يجب تقديم الخبر على المبتدأ وهو عندي، لماذا؟ لأنك لو أخرته وقلت: أنك فاضل عندي لالتبست أن بإن، وهذا لبس يجب دفعه، فحينئذ يجب التقديم.

هذا عبر به ابن هشام هكذا، نحو: عندك رجل، في الدار امرأة، فيجب تقديم الخبر هنا، فلا تقول: رجل عندك، ولا امرأة في الدار، وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك، هذا بإجماع: رجل عندي أو عندك، وامرأة في الدار، هذا ممنوع باتفاق، وَلاَ يَجُوزُ الابْتِدَا بِالنَّكِرَهْ.

وذكرنا أنه قال بعضهم: لو أوردت النكرة عند مخاطب يعلم جاز الابتداء بها، رجل في الدار، لو كان بينك وبين شخص معرفة أو سابق علم أو فهم فحينئذ لو قلت: رجل في الدار أجازه البعض، مع أنه لم يكن ثم مسوغ للابتداء بالنكرة، وهذا مرده إلى أن الفائدة التي تشترط في تسويغها للابتداء بالنكرة هذه مختلفة وهي نسبية، تختلف من شخص إلى شخص، بل من زمن إلى زمن.

ولذلك ليس لها ضابط معين يمكن الرجوع إليه، بعضهم ضبطها بما أفاد التعميم والتخصيص، وعند السرد حينئذ نأتي إلى المسائل التي ذكرها ابن عقيل سابقاً.

فإن كان للنكرة مسوغ جاز الأمران: رجل ظريف عندي، وعندي رجل ظريف.

كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْهِ مُضْمَرُ ... مِمَّا بِهِ عَنْهُ مُبِينَاً يُخْبَرُ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ... !!!