للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَصْلٌ فِي مَا، وَلا، وَلاتَ، وإنِ، الْمُشَبَّهَات بِلَيْس}.

هذا الفصل تابع للمسائل التي ذكرناها، وباب كان وأخواتها

وهو أن ثم حروفاً أشبهت ليس، وليس هي من أخوات كان، وحينئذٍ تختص بالدخول على الجملة الاسمية فترفع المبتدأ على أنه اسم لها، وتنصب الخبر على أنه خبر لها.

فَصْلٌ: أي هذا فصل، وهذا أول موضع يترجم له المصنف، السابق كله لم يقل: باب ولا فصل، وإنما ذكر الفصل هنا لأن هذه المسائل الأصل أنها داخلة تحت الباب السابق: كان وأخواتها، لكن فصلها لماذا؟ لأن كان وأخواتها قلنا هذه كلها أفعال، وما سيذكره في الفصل هذا كلها حروف، وحينئذٍ فرق بينهما ويقتضي التصنيف وحسن التأليف أن يفصل هذا عن ذاك.

فَصْلٌ: أي هذا فصل، فَصْلٌ هذا فعل مصدر، إما أن يكون بمعنى اسم الفاعل، أي هذا كلام فاصل ما بعده عما قبله، أو أن يكون هذا كلام مفصول، إما يكون بمعنى اسم الفاعل أو بمعنى اسم المفعول، وهو في اللغة: الحاجز بين الشيئين، وفي الاصطلاح: ألفاظ مخصوصة دالة على معاني مخصوصة.

فَصْلٌ هذا فصل خبر مبتدئٍ محذوف، يجوز فيه ما يجوز في (بَاب): الرفع والنصب على لغة ربيعة والجر، انظر في فصلٍ فصلاً فصلْ -وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة-. فصلٌ هذا فصلٌ، فصلٌ هذا محله يجوز الوجهان، وحينئذٍ الأولى أن يجعل من هذه الأعاريب أن يكون خبراً لمبتدىءٍ محذوف هذا أرجحها.

فَصْلٌ فِي (مَا) جار ومجرور متعلق بقوله: فَصْلٌ؛ لأنه مصدر، والمصدر من متعلقات الظروف والمجرورات، فَصْلٌ فِي (مَا): هذه اسم هنا في هذا التركيب بدليل دخول حرف الجر عليها، وحينئذٍ صارت اسماً، وما عطف عليه مثله، و (إنِ).

قال: الْمُشَبَّهَات بِـ (لَيْس) يعني أُعملت (مَا) وما عطف عليها لكونها أشبهت ليس، إذاً ليس هي أصل وهذه الحروف الأربعة فروع مقيسة على ليس بجامع النفي المحض الحال، حينئذٍ انتقل الحكم من المشبه به وهو ليس من رفع الاسم ونصب الخبر إلى هذه الحروف، وإن المشبهات بـ (ليس) لم يقل المعملات عمل ليس، مع كونه قال: إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ (مَا)، هذا فيه إشارة إلى علة عمل (مَا)، لماذا أعملت؟ لكونها مشبهة بـ (ليس) فذكر المشبهات وعدل عنه بالتوضيح قال: المعملات عمل ليس، والظاهر أن صنيع المصنف أولى؛ لأنه أراد أن ينص في الأبيات على أن (مَا) أعملت إعمال ليس، إذاً رفعت ونصبت، لماذا؟ ما العلة؟ لكونها أشبهت ليس، فنص على العلة في الترجمة، فحينئذٍ العدول عنه عدول عن تعليل المصنف في الحكم الذي ذكره في البيت.

و (إنِ) الْمُشَبَّهَات بِـ (لَيْس) أي: المعملات عمل ليس تشبيهاً بها، فحينئذٍ جَمَعَ بين الحكم وبين العلة في قوله: المشبَّهات، فلما أشبه الشيء الشيء أخذ حكمه، وهذه قاعدة مطردة عند العرب.

وإنما شُبهت هذه بـ (ليس) لمشابتها إياها في المعنى، ولأنها حروف أفردها عن الأفعال، ولكونها أشبهت ليس في المعنى حينئذٍ ألحقت بها في العمل.

إِعْمَالَ لَيْسَ أُعْمِلَتْ مَا دُونَ إِنْ ... مَعَ بَقَا النَّفْي وَتَرْتيبٍ زُكِنْ

وَسَبْقَ حَرْفِ جَرٍّ أَوْ ظَرْفٍ كَمَا ... بِي أَنْتَ مَعْنِيَّاً أَجَازَ الْعُلَمَا