((وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ)) [النجم:٣٩]، أنْ هُو ضمير الشأن اسم أن محذوف، ثم تعرب جملة ليس واسمها وخبرها، ثم تقول في محل رفع خبر (أن) مخففة، وكذلك: ((وَأَنْ عَسَى)) [الأعراف:١٨٥].
ثم إن كان متصرفاً لا يخلو إما أن يكون دعاء أو لا، لذلك قالوا: وَلَمْ يَكُنْ دُعَا.
فإن كان دعاءً لم يفصل، كقوله: (() وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا)) [النور:٩]، أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا -هذا دعاء - غَضَبَ، وإن لم يكن دعاء، حينئذٍ جاءت المسألة التي معنا، فقال قوم: يجب أن يفصل بينهما إلا قليلاً، يعني: قليل من النحاة.
وقالت فرقة منهم المصنف: يجوز الفصل وتركه، إذاً: فسر قوله: (فَالأَحْسَنُ) بالوجوب، لكنه ليس بظاهر عبارة الناظم، وفسر بأنه يجوز الترك والفصل، والفصل أجود وأحسن، والترك هل هو سائغ أم قبيح؟ الثاني: أنه قبيح.
يجوز الفصل وتركه والأحسن الفصل، والفاصل أحد أربعة أشياء التي ذكرها الناظم، إذاً: متى يأتي الفصل؟ قال: وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً .. فَالأَحْسَنُ الْفَصْلُ، لكن يستثنى من الفعل الذي لا يفصل بين (أن) ومدخولها إن كان دعاء أو كان تصريفه ممتنعاً، إن كان تصريفه ممتنعاً حينئذٍ لا نحتاج إلى فاصل، وهو الجامد، وإن كان دعاء حينئذٍ لا نحتاج إلى فاصل.
إن كانت الجملة اسمية لا نحتاج إلى فاصل .. إذاً: بكل قيد نخرج.
وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً احتجنا إلى فاصل بالشرط الآتي: إن لم يكن فعلاً –اسمية- لا نحتاج.
وَلَمْ يَكُنْ دُعَا إن كان دعا لا نحتاج: ((أَنْ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا)) [النور:٩].
وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا، إن كان تصريفه ممتنعاً وهو الجامد لا نحتاج، فحينئذٍ إذا كان فعلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا، وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا احتجنا إلى الفاصل، وهو واحد من أربعة أمور.
(قَدْ): ((وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا)) [المائدة:١١٣]، ((وَنَعْلَمَ أَنْ)) (أَنْ) هذه مخففة من الثقيلة،
أَنْ هُو، هذا الاسم.
((صَدَقْتَنَا)) جملة الخبر.
إذاً: وقع جملة فعلية، ثم ننظر فيه، هل هو متصرف؟ نعم، هل هو دعاء؟ لا، هل هو اسم؟ لا.
إذاً: نحتاج إلى فاصل، لماذا؟ لكونه فعل وليس بدعاء، وليس بجامد، إذ لو كان اسماً أو كان
فعل دعاء، أو كان فعلاً جامداً لم نحتج إلى فاصل، ولكن لانتفاء هذه الأمور احتجنا إلى فاصل، وهو قد.
الثاني: حرف التنفيس، وهو السين أو سوف، مثال السين: ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى)) [المزمل:٢٠]، (عَلِمَ أَنْ) أنْ هُو سيكون، الخبر هو جملة يكون، فصل بين أن والخبر بالسين، ومثال سوف:
وَاعْلَمْ فَعِلْمُ الْمَرْءِ يَنْفَعُهُ ... أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِرَا
(أَنْ سَوْفَ يَأْتِي)، يَأْتِي هذا فعل متصرف وليس بدعاء وقد ولي أن، وهو فعل، حينئذٍ وجب الفصل أو الأحسن الفصل -على قولين-.