الثالث: النفي كقوله: ((أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا)) [طه:٨٩]، (أَلَّا يَرْجِعُ) برفع يَرْجِعُ، لو فتحت صارت (أن) هذه مصدرية، لكن ((أَلَّا يَرْجِعُ)) صارت مخففة من الثقيلة، أن هو لا يرجع، يرجع هذا فعل، وهو متصرف غير جامد وغير دعاء، فحينئذٍ وجب أو الأحسن أن يوصل بين (أن) المخففة وهذا الفعل بالنفي: ((أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ)) [القيامة:٣]، يَرْجِعُ نصب، كيف يَرْجِعُ، وقلنا: لو نصب لصارت (أن) هذه مخففة من الثقيلة -صارت ناصبة-، النصب هنا بـ (لن) ليس بـ (أن)، -بـ (لن) -، حينئذٍ فصل بين (أن) ونجمع بـ (لن): ((أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ)) [البلد:٧]، إذاً: النفي قد يكون بـ (لا)، وقد يكون بـ (لن)، وقد يكون بـ (لم).
إذاً: فُصِل بين (أن) ومدخولها بنفي مطلقاً.
الرابع: (لو)، وقل من ذكر كونه فاصلة من النوحيين: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا)) [الجن:١٦]، (أن) أن هو، اسْتَقَامُوا هذه جملة فعلية وليست بدعاء وليس بفعل جامد، حينئذٍ الواجب أو الأحسن الفصل، وهنا كان الفاصل (لو)، وقل من ذكر لو: ((أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ)) [الأعراف:١٠٠]، ((أَنْ لَوْ نَشَاءُ)) أن هو نشاء، هذا الأصل، ففصل بين (أن) ومدخولها، وهو فعل وليس بدعاء وليس بجامد.
ومما جاء بدون فاصل قوله: (عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون فَجَادُوا)، عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون، يُؤَمَّلُون بإثبات النون، لو حذفت لقيل (أن) هذه ناصبة، لكن لوجود النون عرفنا أنها مخففة من الثقيلة: (أَنْ يُؤَمَّلُون) إذاً: هنا عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُون، يُؤَمَّلُون هذا فعل وليس بدعاء، وليس بجامد، والأصل فيه أن يفصل بينه وبين (أن)، لكنه لم يفصل: ((لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمُّ الرَّضَاعَةَ)) [البقرة:٢٣٣]، (يتمُّ) بالرفع، (يتمَّ) حينئذٍ نقول: هذا منصوب بـ (أن)، لكن لما رفع حينئذٍ نقول: أن هذه مخففة من الثقيلة وليست الناصبة: أن هو يتم، الجملة خبر.
والقول الثاني: أن (أن) هنا ليست مخففة من الثقيلة، بل هي الناصبة للفعل المضارع وارتفع يتم بعده شذوذاً، يعني: حملاً لأن على (ما)، ما المصدرية لا تعمل، وأن تعمل في لغة جمهور العرب، لكن بعضهم حمل أن على (ما) المصدرية، (ما) أختها كما سيأتي، فحمل (أن) على (ما) في ماذا؟ في عدم العمل.
إذاً: ((أَنْ يُتِمُّ)) أن هذه هي الناصبة، لكن الناصبة في لغة الجمهور، وبعضهم حمل (أن) على (ما) فلم ينصب بها.
وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أَيْضاً فَنُوِي ... مَنْصُوبُهَا وَثَابِتَاً أَيْضاً ..
إذاً: هنا قوله: وإِنْ يَكُنْ فِعْلاً: أي: خبر (أن) المخففة.
وَلَمْ يَكُنْ دُعَا: لم يكن ذلك الفعل دعاء.
وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُه مُمْتَنِعَا: بهذه الشروط الثلاثة حينئذٍ بالانتفاء يستحسن أن يؤتى بفاصل بين (أن) المخففة وجملة الخبر.
قيل: للفرق بين المخففة والمصدرية التي تنصب المضارع، يعني: لماذا الفاصل هذا؟ قالوا: للفرق بين المخففة من الثقيلة والمصدرية، ولما كانت المصدرية لا تقع قبل الاسمية ولا الفعلية التي فعلها جامد أو دعاء لم يحتج لفاصل معها.