رُد عليهم بأن الذي تضمن معنى (من) هو (لا) النافية للجنس وليس الاسم، وهذا يلزم عليه أن الحرف يتضمن معنى حرف آخر، وهذا باطل، فحينئذٍ لا مانع بأن يقال: الاسم بني هنا لتضمنه معنى من الاستغراقية، بل هذا أولى من أن يقال بأنه مركب معها تركيب خمسة عشر؛ لأنه لو ركب معها تركيب خمسة عشر لجاءنا الإشكال في الخبر بماذا رفع! إذا قيل: ركب معها تركيب خمسة عشر حينئذٍ صارت (لا) جزءاً من الكلمة، وجزء الكلمة لا يعمل في غيره، فـ (لا رجلَ قائم)، قائم بماذا مرفوع؟ جلس بدون عامل، فإذا قيل:(لا) صارت جزءاً من الكلمة (لا رجلَ) كأنها كلمة واحدة، وقائم هذه ماذا نفعل فيها؟ بدلاً من أن نقول بأنها رفعت بالمبتدأ قبل دخول (لا) هذا تكلف، وإنما نقول: هذه (لا) بني الاسم معها (لا) للتركيب -تركيب خمسة عشر-، بل هي كما هي لا رجل، مثل يا زيد، لا نقول: ياء ركبت مع زيد، لا، نقول: زيد منادى مبني، ولا نحتاج أن نقول: يا زيد مركب تركيب خمسة عشر، حينئذٍ لا رجل الظاهر والله أعلم يقال: أنه لا تركيب هنا، وإنما الاسم بني لتضمنه معنى من -من الاستغراقية-؛ إذ الأصل لا من رجل وقد جاء التصريح بـ (من) هذه، فحينئذٍ بقيت لا كما هي منفصلة، وإذا بقيت كما هي سلمنا في مسألة عامل الخبر، فتكون لا قد عملت في محل لاسم نصب وفي لفظ الخبر، وهذا أجود مما ذهب إليه سيبويه، هذا قول.
وقيل: تركيبه معها تركيب خمسة عشر، بدليل زواله عند الفصل، يعني (لاَ غَوْلَ) مركبة تركيب خمسة عشر، ما الدليل؟ لو قلت:((لاَ فِيهَا غَوْلٌ)) زال البناء للانفصال، نقول: لا ليس للانفصال؛ لأن العامل يشترط في الأصل أن يكون متصلاً بعامله هذا الأصل -كل عامل- سواء (لا) أو غيرها، ومعلوم أن (لا) هنا ضعيفة ليست لها أصالة العمل، بل هي محمولة على (إِنَّ)، و (إِنَّ) في نفسها ضعيفة لأنها حرف، وإنما أعملت النصب كما سبق شبهت بالفعل، ألحقت بالفعل في اللفظ والمعنى.
إذاً هي محمولة على ضعيف فهي أضعف، فحينئذٍ يشترط فيه أن يكون متصلاً بعامله، فإذا فصل بينهما حينئذٍ ألغيت، فعَدَمُ إعمالها في ((لا فِيهَا غَوْلٌ)) لانتفاء الاتصال، لا لانتفاء التركيب، ونقل عن سيبويه.
وقيل لتضمنه معنى اللام الاستغراقية، ورد بأنه لو كان كذلك لوصف بالمعرفة كما قيل: لقيته أمس الدابر.
على كلٍ الظاهر أنه متضمن معنى من، وأن المتضمن هو الاسم، وأنه لا تركيب في قولنا: لا رجلَ، وهذا شأنه شأن: يا زيدُ، وإن كان أكثر النحاة على أن لا جلَ مركب تركيب خمسة عشر.