وَرَكِّبِ الْمُفْرَدَ مع (لا) تركيب خمسة عشر فاتحاً له من غير تنوين، وهذا الفتح فتح بناء على الصحيح، وليس فتح إعراب، وقيل: فتح إعراب، وحُذف التنوين تخفيفاً كما سيأتي.
كَلاَ حَوْلَ، يعني: كقولك: لاَ حَوْلَ، (لا) هذه نافية للجنس، وحَوْلَ هذا اسمها نكرة دخلت عليه (لا) النافية للجنس، فحينئذٍ بني معها على الفتح.
إذاً بني لماذا؟ للعلة التي ذكرناها.
لِمَ حرك وَالأَصْلُ فِي الْمَبْنِيِّ أَنْ يُسَكَّنَا؟ ليُعلم أن له أصلاً في الإعراب؛ لأن حول ليست مبنية أصالة، فحينئذٍ حرك من أجل أن يعلم أن له أصلاً في الإعراب، لم كانت الحركة فتحة؟ طلباً للخفة؛ لأن التركيب ثقيل ولا يناسبه إلا الفتح.
أما علة البناء: قيل: إن كان اسم (لا) مفرداً غير مضاف ولا شبيه بالمضاف، ركب معها وبني، هذا مذهب أكثر البصريين، واختلف في موجب البناء، ما السبب؟ سبق هناك: لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوْفِ مُدْنِي، وذكرنا أن قوله:(لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوْفِ مُدْنِي) المراد به البناء الأصلي لا البناء الطارئ، البناء الأصلي أصل الكلمة، فمن للاستفهامية هكذا ولدت، يعني مبنية لم تكن معربة ثم بعد ذلك طرأ عليها البناء، وبعض الكلمات والأسماء تكون في الأصل هي معربة وقد يطرأ عليها البناء مثل ماذا؟ مثل الذي معنا (رجل) هذا معرب دخلت عليه (لا) لا رجلَ، زيدٌ هذا معرب دخلت عليه (ياء) يا زيدٌ.
حينئذٍ هل الحكم واحد مطرد فتكون العلة التي ذكرت في البناء الأصلي هي عينها في البناء الطارئ العارض، أم لكل وجهة؟ قولان: بعضهم قال: كل مبني في لسان العرب لا يخرج عن هذه العلة ولو بتكلف، ما دام أن الأصل بني لشبه بالحرف، حينئذٍ كل طارئ لا بد وأن يكون فيه نوع شبه بالحرف، فتأتي العلل وعسر التكلف في استنباط معنىً يصلح أن يكون تضمن ذلك الاسم معنى الحرف.
وبعضهم قال: لا، البناء الطارئ لا يدخل تحت البناء الأصلي، فتلك الأوجه الأربعة خاصة بالبناء الأصلي، وما عداه، حينئذٍ تأتي أنواع أخرى تكون سبباً للبناء، ومنها التركيب، تركيب خمسة عشر ليس لذات الواو وليس ثم واو كانت ثم ضمنت خمسة ولا عشرة، وإنما التركيب نفسه سبباً للبناء، فحينئذٍ قيل: إن (لا رجلَ) مبني لكونه مركباً فحسب؛ لأن لا رجل هذا كأنك نطقت به كلمة واحدة، لا رجل خمسة عشر.
فقيل: تضمُّنُه معنى (من) -الذي ذكرناه سابقاً-، وكأن قائلاً قال: هل من رجل في الدار؟ فقال مجيبه: لا رجلَ في الدار؛ لأن نفي (لا) عامٌّ، فينبغي أن يكون لسؤال عام.
ولذلك صرح بـ (من) كما سبق في قوله هناك: (وَقَالَ أَلاَ لاَ مِنْ سَبِيلٍ إلَى هِنْدِ)، فدل على أن (من) موجودة، ولكن اختلفوا هل الذي ضمن معنى (من) هو (لا) النافية للجنس أو الاسم؟ محل نزاع بينهم، وهذا صححه ابن عصفور ورد بأن التضمن معنى (من) هو (لا) لا الاسم، وهذا مشكل، كيف حرف يتضمن معنى حرف! لا رجل، ما علة البناء؟ قيل: كون الاسم -اسم (لا) - بني مع (لا) لتضمنه معنى (من) الاستغراقية؛ إذ الأصل لا من رجل وقد نطق بهذه شذوذاً.