للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فنحن الآن في مظان الغضب والعقوبة الإلهية بسبب خيانتنا للأمانة .. ومهما اجتهدنا في تحصيل الأسباب المادية فلن يُرفع عنا العقاب أو الذل والهوان إلا إذا عدنا إلى ديننا أولاً ... ألم يقل صلى الله عليه وسلم: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (١).

ولقد كان ثمة أمة في الماضي خانت الأمانة ولم تبلغ الرسالة, فحدث لها مثل ما يحدث لنا الآن من عقوبات حتى يرجعوا, فلما أصروا على غيهم سلب الله منهم الأمانة وحمَّلها لنا ... تلكم هي أمة بني إسرائيل {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:٢١١].

ثانيًا: إن مصدر رفعة وعزة الأمة الإسلامية مرتبط بمدى علاقتها بربها، ومدى دخولها في دائرة معيته وكفايته {وَأَنتُمُ الأَعلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٣٩].

ويتمثل ذلك جليًا في قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام, فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.

وفي المقابل فإن مصدر رفعة الأمم الأخرى في الدنيا يكون على قدر امتلاكها للأسباب المادية «فقط» لأنها لم تُكلَّف بما كلفنا به، ومن الخطأ بمكان أن نسعى للرفعة من خلال تقليدهم والسير وراءهم {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا} [النساء:١٣٩].

ثالثًا: إن باب الأسباب المعنوية نملكه دون غيرنا من الأمم الكافرة بالله {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ} [محمد:١١].

فكيف نترك سر تفوقنا؟!

كيف نترك ما اختصنا الله به ونبحث عما في أيدي الآخرين؟

كيف نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير ونعطيه الأولوية؟! ألم يقل سبحانه: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ} [آل عمران:١٣].

رابعًا: لو أُغلق أمامنا باب الأسباب المعنوية، وتساوينا مع الكفار في السباق نحو امتلاك الأسباب المادية، فستكون النتيجة لصالحهم لا محالة، فكما قال الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله ومعصيتهم له، فإذا عصيتموه تساويتم.

هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فنحن حين نترك الأسباب المعنوية ونعتمد على الأسباب المادية فقط, فإننا نتعرض للعقوبة من الله بالخذلان وتعسير الأمور, بينما هم لن يعاقبوا مثلنا وإن كانوا أكثر منا معصية، ولمَ لا وقد خنا أمانة عظيمة ائتمننا الله عليها دون غيرنا. وهذا ما أكده عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنهما - قبل تحرك جيش المسلمين لملاقاة الفرس في القادسية بقوله: ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يُسلط علينا، فرب قوم سلط الله عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني اسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار (٢).


(١) صحيح، رواه أبو داود عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع (٤٢٣).
(٢) الجهاد في الإسلام لمحمد سعيد رمضان البوطي, ص ٢٤٥.

<<  <   >  >>