معنى ذلك أن عزنا وتقدمنا ورفعتنا مرتبطة برضا الله عنا، فإن رضي عنا تضاعفت النتائج المترتبة على الأخذ بالأسباب المادية, وظهرت البركة في القليل المتاح ... فعشرة آلاف على سبيل المثال يهزمون مائة ألف وأكثر، وكيف لا والله يؤيد بنصره من يشاء {إِن يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: ١٦٠].
وتتدرج نسبة التفوق تصاعديًا وتنازليًا {الآَنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال:٦٦].
المسلم الصحيح أولاً:
فصلاح الفرد أولاً ثم امتلاك الأسباب المادية ثانيًا.
المسلم الصحيح قبل الطبيب .. قبل المهندس .. قبل عالم الذرة ..
المسلم العابد لله أولاً, ثم ليكن بعد ذلك في المكان الذي أقامه الله فيه، ليتخذ الأسباب المادية المتاحة أمامه، فيبارك الله فيها ويضاعف نتائجها ..
إذن فنهضة أمتنا تنطلق من صلاح الفرد على أساس الإسلام، ثم التحرك بهذا الفرد الصالح في الميادين المختلفة والمتاحة ليكون بعد ذلك: مسلم طبيب ... مسلم مهندس .. مسلم مدرس .. مسلم نجار ... مسلم فلاح.
ويؤكد الإمام حسن البنا على هذا المعنى فيقول: إذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح جميعًا.
[المقصود بصلاح الفرد]
وليس المقصد بصلاح الفرد هو التركيز على أدائه العبادات بشكلها الظاهري فقط، بل المقصد هو أن يكون في القالب الذي يريده الله منه، فعلى قدر «العبودية» تكون قيمة الفرد عند الله عز وجلّ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].
صلاح الفرد يبدأ من الداخل، فيكون باطنه أفضل من ظاهره.
صلاح الفرد يعني أن يكون الله أعز عليه وأحب إليه من كل شيء.
صلاح الفرد يعني أن يَعظُم قدر الله لديه، وتصغر نفسه عنده.
صلاح الفرد يعني زهده في الدنيا ورغبته في الآخرة.
صلاح الفرد يعني أن تكون معاملته مع الله هي الأساس الذي يحرص عليه، فيخشاه ويتقيه ويطيعه ويرجوه ويتوكل عليه ويستعين به في كل أموره، لينعكس ذلك على تصرفاته ومعاملاته مع غيره وفي جميع الدوائر التي يتعامل فيها .. مع أهله وزوجته وأولاده .. مع جيرانه وزملائه .. مع الناس أجمعين, فيكون نعم الزوج لزوجه، والابن لأبويه، والأب لأبنائه، والجار لجيرانه، والعامل في متجره، والداعي دومًا إلى الله، و
يحب في الله ويبغض في الله ... يسارع دومًا في الخيرات، ويجتنب كل المنكرات .. فإن زلت قدمه يومًا تراه مسرعًا مهرولاً إلى مولاه يسترضيه ويطلب منه العفو والصفح، وبصلاحه هذا يمن الله عليه وعلى من حوله بما ورد في الأثر: «إن الله يصلح بصلاح الرجل المسلم ولده، وولد ولده، وأهل كويرته، ودويرات حوله».