للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السؤال الحادي عشر

[الذنوب وأمراض القلوب]

- كيف أدخل إلى القرآن، والذنوب تتلبس بي، والهوى يخنقني، والأمراض تملأ قلبي؟!

أليس من الضروري أن أتطهر من هذا كله أولاً قبل الدخول لعالم القرآن؟!!

الجواب:

أولاً: إن كان الأمر كذلك، فما هو دور القرآن إذن؟!!، ألم يصفه الله عز وجل بأنه دواء، وأنه {وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:٥٧].

فمن خصائص المعجزة القرآنية أنها دواء لأمراض القلوب، ومطهرة للذنوب، وطاردة للهوى {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا} [الرعد:١٧].

القرآن غيث للقلب، كما أن الماء غيث للأرض ... ومهما أجدبت الأرض فإن استمرار تعرضها للماء يجعلها تنبت الزرع.

نعم، الإنبات يكون في البداية ضعيفًا لكن شيئًا فشيئًا يزداد ويزداد {اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد:١٧].

وفي هذا المعنى يقول مالك بن دينار: إن القرآن ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض، فقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحُشَّ، فتكون فيه الحبّة، فلا يمنعها نَتن موضعها أن تهتز وتخضر. (١)

ثانيًا: هل هذا ما حدث مع الصحابة؟!! هل طُلب منهم تطهير قلوبهم أولاً قبل التعامل مع القرآن.؟!!

أم أنهم تعاملوا معه مباشرة، فقام القرآن بتطهير قلوبهم، وإنبات الإيمان فيها، وطرد الهوى منها شيئًا فشيئًا.

ثالثًا: ومتى يظن المرء أنه قد أصلح نفسه وطهَّر قلبه؟! .. إنه إن ظن ذلك فقد خسر خسرانًا عظيمًا، كيف لا وعلى المسلم أن يديم إساءة الظن بنفسه، وأن يجاهد هواه حتى يأتيه الموت ..

سُئلت السيدة عائشة: متى يكون الرجل مسيئًا؟ قالت: إذا ظن أنه محسن.

معنى ذلك أننا إن سلمنا بما يطرحه السائل فلن نتعامل مع القرآن طيلة حياتنا.

أخي القارئ:

أقبل على القرآن ولا تخف، واترك زمامك له فسيقوم بأداء دوره الذي يعرفه جيدًا في تطهير قلبك وتنويره، وملئه بالإيمان، شريطة أن تُقبل عليه إقبال الملهوف، الباحث عن النور والإيمان، وأن تعطيه الكثير من وقتك، وألا تستعجل الثمرة، فحتمًا ستظهر لو داومت على تعريض قلبك للقرآن من خلال الفهم والتأثر والتباكي مع القراءة.

يقول حذيفة: اقرؤوا القرآن بحُزن، ولا تجفوا عنه، وتعاهدوه، ورتلوه ترتيلا. (٢)

السؤال الثاني عشر

لا أجد أثرًا

- حاولت أكثر من مرة أن أقرأ القرآن بتدبر وتأثر، ولكني لم أجد ما تتحدثون عنه من تغيير، وحلاوة الإيمان، و ... ، مما دفعني للعودة إلى ما ألفته من قراءة سريعة بغية تحصيل أكبر قدر من الحسنات، وللمحافظة على حفظي للقرآن ... ومع ذلك فإني أشعر بين الفينة والفينة بتأنيب الضمير، والشعور بالتقصير تجاه القرآن، والخوف من أن يكون شيء مهم قد فاتني ... فماذا أفعل؟!

الجواب:

أولاً: أهم عامل من عوامل النجاح في الانتفاع بالقرآن ككتاب هداية وتغيير، ومنبع دائم للإيمان يتزود منه القلب كلما تعرض له هو وجود الرغبة الجارفة للانتفاع به، واستشعار الحاجة الماسة إليه، وإلى الثمرة الناشئة من دوام الإقبال عليه من: قلب سليم، وإيمان حي، وتعرف حقيقي على الله، ومن ثمَّ السير إليه، والوصول إلى معرفته للدرجة التي تمكِّن صاحبه من أن يعبده - سبحانه - كأنه يراه.

فعلى قدر هذه الرغبة، وهذا الاحتياج يكون الإمداد من الله «فالإمداد على قدر الاستعداد» تأمل معي قوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ - لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير:٢٨:٢٧].

فالآيات تخبرنا بوضوح بأن القرآن هو طريق الاستقامة لجميع الناس، ولكن لن ينتفع به إلا من يريد الاستقامة ويبحث عنها، ويرغب فيها ... ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «ومن يتحرَّ الخير يعطه» (٣).

ولقد أكد على هذا المعنى الإمام البخاري في صحيحه عند تعليقه على قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ - فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ - لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٧ - ٧٩]

قال: لا يجد طعمه إلا من آمن به.

لابد من الاقتناع بأهمية القرآن، ودوره في التغيير، ولابد كذلك من استشعار الحاجة إليه.

وبدون القناعة الأكيدة، والرغبة الجارفة، والاحتياج الماس للقرآن، فلن تكون هناك النتيجة المرجوة والثمرة المنتظرة من هذا الكتاب.

جاء في الأثر عن أبي الدرداء قال: لما أهبط الله آدم إلى الأرض قال له: يا آدم أحبني، وحببني إلى خلقي، ولن تستطيع أن تفعل ذلك إلا بي، ولكن إذا رأيتك حريصًا على ذلك أعنتك عليه، فإن فعلت ذلك فخذ به اللذة والنظرة وقرة العين والطمأنينة. (٤)


(١) العقوبات لابن أبي الدنيا, ص (٦٦).
(٢) لمحات الأنوار للغافقي, ص (٥٦٦).
(٣) حسن أورده الألباني في صحيح الجامع (٢٣٢٨).
(٤) استنشاق نسيم الأنس للحافظ ابن رجب، ص (١٢٧).

<<  <   >  >>