للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأسباب والنتائج

[الأسباب المادية والمعنوية]

خلق الله عز وجل الأرض، وجعل القانون الذي يحكمها وينظم الحياة عليها هو قانون السببية، فلكي نحصل على نتيجة ما، لابد من اتخاذ أسباب بعينها تؤدي إليها، والأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى حدوث النتائج تنقسم إلى قسمين: قسم مادي، وقسم معنوي.

القسم المادي هو القسم الذي يتعامل مع المادة المتعلقة بحدوث النتيجة المطلوبة، فالعطشان الذي يريد أن يرتوي عليه أن يشرب الماء، والجائع عليه أن يأكل ليشبع، والذي يريد الوصول إلى مكان ما عليه أن يسير إليه أو يتخذ وسيلة مواصلات مناسبة تقوم بتوصيله للمكان الذي يريد ... وهكذا.

وكما نرى فالقوانين المادية نتائجها في الغالب معروفة ومحددة.

أما القسم المعنوي للقوانين فهو يتعلق بتنفيذ أمور غير مادية تؤدي إلى تحقيق نتائج مادية ملموسة، أو تنفيذ أمور مادية ليس لها علاقة ظاهرية بالنتائج التي تُحدثها ... وإليك أخي القارئ أمثلة لهذا القسم:

الاستغفار شيء معنوي، لكن الله عز وجل أخبرنا في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بأن للاستغفار نتائج مادية كقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا - يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا - وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:١٠: ١٢].

وفي الحديث: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» (١)

- الدعاء أمر معنوي لكنه من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مادية محسوسة مثل ما حدث للثلاثة نفر الذين دخلوا إلى مغارة، وجاءت صخرة عظيمة فسدت عليهم باب الخروج، وحاولوا زحزحتها فلم يستطيعوا، فما كان منهم إلا أن دعوا الله بإخلاص أن يفرج عنهم كربهم, فاستجاب الله لهم وأزيحت الصخرة، وخرجوا جميعًا (٢).

- المرض له أسباب، وعندما يتناول المريض الدواء المعالج لسبب المرض فغالبًا ما يُشفى - بإذن الله- ولكن هناك أمور أخرى ليس لها علاقة بأسباب المرض من شأنها أن تؤدي إلى الشفاء؛ كماء زمزم، والصدقة ...

قال صلى الله عليه وسلم: «داووا مرضاكم بالصدقة» (٣).

- ومن أمثلة الأسباب المعنوية كذلك صلاة الاستسقاء، فالجو قد يكون صحوا، والسماء صافية ويحتاج المسلمون إلى الماء فيخرجون للصلاة متذللين متخشعين منكسرين لله عز وجل، فترى السماء الصافية وقد تلبدت بالغيوم وتجمعت فيها السحب، ونزل المطر، كما حدث في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما تكرر كثيرًا عبر تاريخنا الإسلامي.

[النتائج من الله لا من الأسباب]

قد يقول قائل: إذن نركز على الأسباب المعنوية باعتبار أن نتائجها كبيرة ولا تكلفنا شيئًا، ونترك الأسباب المادية .. نترك التداوي .. نترك الطعام .. نترك ... . ونتجه إلى الدعاء والصدقة والاستغفار


(١) رواه أبو داود (١٥١٨)، وأحمد (٢٢٣٤)، وابن ماجه (٣٨١٩).
(٢) انظر نص الحديث في البخاري ومسلم.
(٣) حسن، حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (٣٣٥٨).

<<  <   >  >>