للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تساؤلات وردود

[تمهيد]

وإتمامًا للفائدة، فقد تم إلحاق هذا الفصل بالكتاب والذي يحوي ردودًا على بعض التساؤلات, التي من المتوقع أن تقفز إلى أذهان البعض حول طريقة التعامل مع القرآن, وكيفية تحويل الوجهة نحو الانتفاع الحقيقي به، خاصة أن تاريخ هجر القرآن كرسالة هادية ومعجزة تغييرية يمتد إلى عدة قرون سابقة، ومن ثمّ فليس من السهل على النفس الانتقال مما ألفته وتعودت عليه من القراءة السريعة, أو العابرة إلى القراءة الهادئة المترسلة المتباكية التي تراعي الفهم والتأثر.

وقبل أن نبدأ في سرد تلك التساؤلات والإجابة عنها، نجد أنه من الضروري التذكير بأمر هام وهو أننا في هذه الصفحات نتحدث عن القرآن كنقطة بداية لمشروع نهضة الأمة جمعاء، وكيفية سد الفجوة بين العلم والعمل من خلاله، وإيقاد شعلة الإيمان في القلب، والوصول لحالة الانتباه واليقظة، وتوليد الدافع الذاتي والطاقة الروحية باستمرار.

وهذا بلا شك لا يمكن حدوثه من خلال الطريقة التي نتعامل بها حاليًا مع القرآن والتي تهتم بالشكل فقط.

السؤال الأول

[قراءتان للقرآن]

- سمعنا وقرأنا أن بعض السلف كان يخصص ختمتين للقرآن ... ختمة للقراءة السريعة من أجل تحصيل الأجر والثواب، وختمة للتدبر فلماذا لا نفعل ذلك فنجمع بين الأمرين سويًا؟!

الجواب:

هذا السؤال من أكثر الأسئلة شيوعًا، والإجابة عليه تتضمن عدة نقاط.

أولاً: نحن هنا نتحدث عن الانطلاقة الحقيقية لمشروع نهضة الأمة, الذي يتمثل في كيفية الاستفادة من القرآن كمصدر دائم ومتفرد لتوليد القوة الروحية في كيان المسلم، ومن البديهي أن الذي يقرأ قراءة سريعة بغية تحصيل أكبر قدر من الحسنات فقط لن يتم له الفهم أو التأثر، ومن ثمَّ لا يتحقق له الانتفاع الحقيقي بالقرآن.

ثانيًا: نحن نحتاج إلى المعجزة القرآنية وقدرتها على التأثير في مشاعر الإنسان وقلبه، وتوليد القوة الروحية فيه، وكل ذلك يستدعي استمرارية تعرُّض القلب للقرآن، أي تكرار القراءة اليومية، فإذا ما جعلنا ختمة التدبر مفتوحة الزمن، لا نلتزم بها كل يوم فإننا بذلك نكون قد فقدنا أهم مزية للقرآن، ومن ثمَّ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصبح القرآن هو المخرج مما نحن فيه، وكيف لا وقد ابتعد المرء عن الاستفادة من دوره الخطير في التغيير.

ثالثًا: إن كان الماء هو مادة الغيث الذي يسقي الأرض فيحييها بعد موتها، وينبت فيها الزرع، فإن القرآن هو مادة الغيث الذي يسقي القلب بأسباب حياته، فينبت فيه الإيمان، كما ورد في الدعاء: «اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا» وربيع: أي غيث.

فإن لم تتعرض الأرض للماء باستمرار فإنها لن تُنبت شيئًا، وكذلك القلب إن لم يتعرض للقرآن باستمرار فلن ينبت فيه الإيمان الحي اليقظ، ولن تظهر ثماره المرجوة.

رابعًا: إن فعلنا - كما يقول السائل -هذا فمن المتوقع أن نكون الختمة السريعة هي الغالبة علينا لأنها لا تكلفنا شيئًا، ولأنها تشعرنا بالرضا عن النفس وتحقيق الذات وذلك كلما انتهينا من قراءة سورة أو جزء من القرآن .. أما ختمة التدبر فهي تحتاج إلى إعداد ذهني وقلبي وقراءة هادئة مترسلة و ..... ، وهذا بلاشك لا يُريح النفس وستحاول التهرب منه، والتسويف في القيام به باعتبار أن هناك بابًا آخر للقراءة السريعة المريحة مفتوح أمامها.

أما إذا أغلق هذا الباب فلن تجد النفس مناصًا من القراءة الهادئة التي تبحث عن الفهم والتأثر.

<<  <   >  >>