للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لو فعلنا ذلك ما تحققت نتائج، فالله عز وجل هو الذي خلق الأسباب المادية والمعنوية، وهو الذي طالبنا باتخاذ كليهما، على أن يكون التعامل معها باعتبار أنها لا تملك قوة، ولا فاعلية ذاتية تمكنها من تحقيق النتيجة، فالأمر كله مع الله، والأسباب هي الستار الذي يتنزل من خلاله قَدَرُه سبحانه

فالله عز وجل هو الذي يروي ويشعرنا بالإرواء، لكنه جعل هذا الأمر يتحقق من خلال سبب مادي وهو شرب الماء، وهو سبحانه الذي يشفي، وجعل ذلك من خلال بث الفاعلية في الدواء أو في الصدقة، وهكذا

ولعل عدم ملازمة النتائج للأسباب في بعض الأحيان دليل يؤكد للناس هذه العقيدة، فالنوم سبب للراحة وفي بعض الأحيان ينام الإنسان طويلاً ويستيقظ وهو يشعر بالتعب، بل لقد نصَّ الحديث النبوي على أن من ينام عن صلاة الفجر, ولو كان نومه طويلاً, إلا أنه يُصبح «خبيث النفس كسلان» (١)، وكذلك الدواء قد لا يكون سببًا للشفاء، ويظل المريض ينتقل من دواء لدواء دون نتيجة.

[خطورة التعلق بالأسباب]

عندما يتعامل المرء مع الأسباب على أنها هي التي تستجلب له النتائج فإنه بذلك يقع في منزلق خطير يؤدي به إلى الوقوع في دائرة الشرك بالله، وتتحول الأسباب إلى جدار يحجبه عن الله، مع أنها ما خُلقت إلا لتكون ستارًا يرى العبد من ورائه حكمة الله، ولطفه، ورحمته، وقهره, و

ومن مخاطر التعلق بالأسباب كذلك أن الفزع سيتملك القلب كلما نقصت الأسباب، والفرح سيملؤه عندما تزداد، ويتحول الاعتماد عليها في تحقيق النتائج لا على الله، وقد نص القرآن على حال المشركين الذين إذا ذكر من هم دون الله من شركائهم يفرحون ويستبشرون {وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥].

سِتار الأسباب:

إذن فالأسباب ستار لابد من إقامته ليتنزل عليه القدر ... هذا الستار يبدأ بالأسباب المادية المتاحة أولاً، ثم بالمعنوية ثانيًا, كما قال صلى الله عليه وسلم للرجل الذي ترك دابته دون عقال: «اعقلها وتوكل». (٢)

فإن اقتصر الستار على الأسباب المادية كان حجمه محدودًا ونتائجه محدودة.

وإن حاول الإنسان إقامته من الأسباب المعنوية فقط دون استخدام الأسباب المادية المتاحة أمامه فهذا سوء أدب مع الله، ولن يتحقق له ما يريد لأنه خالف بذلك القوانين التي وضعها الله عز وجل لإقامة الحياة والوصول إلى النتائج.

وإن جمع بين الاثنين فهو بذلك يزيد من حجم الستار فيتنزل القدر بنتائج لا حدود لها ... تأمل قوله صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا». (٣)

مع ملاحظة أن تغدو وتروح هي الأسباب المطلوب من الطير أن تفعلها وتأخذ بها فقط.


(١) متفق عليه.
(٢) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
(٣) رواه الترمذي (٢٣٤٥) وقال: حديث حسن، وأخرجه أحمد ١/ ٣٠، وابن ماجه (٤١٦٤). ومعنى خماصًا: أي ضامرة البطون من الجوع، وبطانًا: أي ممتلئة البطون.

<<  <   >  >>