للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

افعل ذلك بنفسك لتدرك بعضًا من حجم هذه المعجزة، وأنها هي التي نبحث عنها، وهي التي نريدها تمامًا.

[مظاهر قوة تأثير القرآن]

لقد أنزل الله القرآن من السماء ليكون كتاب هداية وشفاء وتقويم وتغيير لكل من يُحسن الإقبال عليه، ويدخل في دائرة تأثير معجزته ...

تأمل معي تلك الآية التي تصف لنا صورة من صور تأثير القرآن ومخاطبته للمشاعر وتوليده للقوة الروحية {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الزمر: ٢٣].

هذا القرآن الذي بين أيدينا له قوة تأثير هائلة لا يمكن للعقل أن يدرك أبعادها أو يحيط بها، ولقد ضرب الله لنا بعض الأمثلة التي تبين ذلك لندرك قيمة المعجزة التي بين أيدينا ... انظر إلى قوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد:٣١]. (١) وجواب الشرط محذوف وتقديره: لكان هذا القرآن ...

فالآية تخبرنا بأن القرآن قادر - بإذن الله - على أن يُحرك الجبال من مكانها، ويُقطِّع الأرض، ويُكلم الموتى ... فأي قوة هذه التي تستطيع أن تحرك جبلاً من مكانه، أو تقطع الأرض فتجعلها منفصلة عن بعضها، بل وتكلم الموتى فيستجيبون؟! إنها بلا شك قوة لا يمكن للعقل البشري أن يحيط بها أو يدرك أبعادها.

فإن كانت تستطيع أن تفعل ذلك كله - بإذن الله - فماذا عساها أن تفعل بي وبك إن دخلنا إلى دائرة تأثيرها؟! ‍

لقد بلغ من قوة تأثير القرآن أنه شيَّب شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله قد شبت, فقال صلى الله عليه وسلم: «شيبتني هود، والواقعة، والمرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت». (٢)

[هذا القرآن]

هذا القرآن جعل قلب الجبير بن مطعم كاد يطير عندما استمع إلى بعض آياته ... ففي البخاري عن محمد بن جبير عن أبيه - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي (٣) .. وفي رواية: فلم بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ - أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} كاد قلبي أن يطير (٤).

هذا القرآن وقوة تأثيره واستحواذه على المشاعر وسيطرته عليها هو الذي جعل رسولنا صلى الله عليه وسلم يردد في قيامه طيلة الليل قوله تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨].


(١) يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: يقول تعالى مادحًا للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ومفضلًا له على سائر الكتب المنزلة قبله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره.
وجاء في سبب نزول هذه الآية أن كفار مكة قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع، فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح، أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه، فأنزل الله هذه الآية.
(٢) صحيح، رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع (٣٧٢٣).
(٣) رواه البخاري رقم (٣٧٩٨).
(٤) رواه البخاري رقم (٤٥٧٣).

<<  <   >  >>